بقلم: يسرى المصري:
السردية السورية للتحرير .. حاضرة كحضور القمر البدر التمام في الليلة الظلماء، وعلى مدار عقود وقرون تروي الحضارة السورية أسطورة التحرير والنصر والنهوض والقيام من العثرات واستقبال القادمات من الأيام بريح طيبة وغيث مغيث، وتروي رمال الصحراء، مشهد قديم جديد رأيناه ليلة التحرير بأم أعيننا فصار طائر العقاب الذهبي، رمز القوة، والكرامة، والوحدة، والاستقلالية. بنجماته الثلاث وبجناحيه يـُظل محافظات ومناطق سوريا بأكملها.
ليلة الثامن من كانون الأول.. لاحت القافلة تحمل البشرى والخير والخلاص يقودها فارس بلون الشمس، ذو خلق جميل.. جاءت من بعيد معلنة عنها سحابة من غبار، أول من شاهدها كانت مئذنة العروس من الجامع الأموي التي تطل على دمشق رافعة الرأس حامدة صابرة تصدح بالأنوار والأذكار.. جمعت الرجال من حولها، قالت: ماذا تأملون أن يكون حمل القافلة؟! قال شيخ التجار: لو أنها تحمل كنوزاً من الذهب والفضة لانتعشت أحوال البلاد وعاشت برخاء!
قال فارس مُنتشٍ بالنصر: لو أنها تحمل العتاد والعدة لأصبحنا أقوى الدول وهابنا الجميع !
قالت أم لصبية صغار: لو أنها تحمل الطعام والطيبات فما بقي جائع أو محتاج !
وسأل الشيخ عروس الشام: ما كنت تحبين أن تحمل هذه؟
قالت: لو أنها تحمل رجالاً أشداء في الحق رحماء على المساكين لكان في ذلك صلاح الدولة وإنقاذها وكل من حولها، وهذه مسؤولية لا يقدر عليها الضعفاء والمساكين، وإنما ينهض بها الرجال الأمناء الأقوياء بالحق، الذين يعيشون عدلاً.
في ذلك اليوم كتبت عروس الشام فوق حجارة قاسيون:
أيتها الحياة الجميلة بما فيها من مفاجآت وتقلبات..
أيتها الدنيا الحلوة حيناً والمرة أحياناً..
أيتها البشرية التي تجنح للملائكة مرة، وللشياطين ألف مرة..
أيتها العيون التي تنتظر بسمة الفجر من وراء جلابيب الظلام..
أيتها القلوب التي ترتعش أحلامها في عالم الرعب والحرب..
أما علمتم أيها القوم.. مما مضى أن الظالمين والغافلين لا يأتون بخير أينما ذهبوا، وجحافل الأحرار أولي البأس والقوة يقبلون اليوم عليكم يلوحون بالأمجاد والتحرير.. فتضيء البلاد وتشيع في الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً.. فقفوا وقفة عدل، ولا تتهافتوا على أهوائكم تهافت الجراد على الزرع، وعليكم إذا أردتم صلاح شأنكم والعالم من حولكم أن تنشئوا جيلاً أقدامه في الأرض وأحلامه في السماء، يفكر بالقيم والأخلاق قبل أن يفكر بالأهواء والشهوات، ويترفع عن سفاسف الأمور ومفاسد الأخلاق، فلا صلاح للحياة إلا بصلاح أهلها، ولا يصلح أهلها إلا بصلاح قادتهم.. وعقولهم وأفكارهم.