الحرية- هيثم صالح:
العقوبات السياسية والاقتصادية والمالية سلاح فتاك درج الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية خلال العقدين الماضيين على استخدامه بطريقة لا سابق لها في الحروب بعد أن تعذر في أحيان كثيرة للجوء إلى القوة العسكرية لإخضاع الخصم وهزيمته.
في لعبة السياسة غالباً مابررت الدول المستخدمة لهذا النوع من الأسلحة الفعالة والمؤثرة استخدامها إما لمحاربة الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تمارس جرائم اضطهاد وقتل وترويع بحق شعوبها أو انتصاراً لحقوق الإنسان والحريات العامة ودفع الظلم والجور عن الشعوب المبتلاة بمثل هذه الانتهاكات الصارخة، وربما كانت محقة في كل ما قدمته من مبررات للإقدام على مثل هذا الإجراء الموجع جداً والمدمر أحياناً.
كثيراً ما تعايشت الأنظمة القمعية الديكتاتورية مع هذه العقوبات ولفترات طويلة، بل إنها أمعنت في انتهاكاتها انتقاماً من شعوبها وعمقت من مأساتها وزادت في معاناتها وعرضتها لمزيد من الظلم والجوع والمرض والتخلف.
وفي الدول التي فرضت عليها العقوبات السياسية والاقتصادية وغيرها من العقوبات ربما تفهمت شعوبها أسباب العقوبات أملاً بالضغط على الأنظمة والتسريع برحيلها أو على أقل تقدير تعديل سلوك هذه الأنظمة لتوفير مزيد من الحرية والديمقراطية والحقوق المشروعة.
وكسائر الشعوب تفهم الشعب السوري العقوبات الغربية والأمريكية وحتى الإقليمية التي مورست على النظام السوري البائد وتحمل ويلات الجوع والفقر والقهر والتدهور الاقتصادي والمالي لمدة تجاوزت أربعة عشر عاماً دفع خلالها هذا الشعب أثماناً باهظة لا نعتقد أن بمقدور شعب آخر تحملها.
مع إن النظام البائد استغل تلك العقوبات طوال الفترة الماضية واتخذها ذريعة لنهب ثروات ومقدرات الشعب السوري ولتضييق قبضته عليه إلا أنها كانت فاعلة ومؤثرة عليه وساهمت في تعريته سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً أمام جميع السوريين بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم.
بكل الأحوال، لقد شكلت العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية فضلاً عن النظام البائد الذي اتخذت بسببه مأساة حقيقية للسوريين جمدت الدماء في عروقهم ودمرت بناهم التحتية وعطلت عجلة النمو الاقتصادي ووضعت الغالبية العظمى من السوريين تحت خط الفقر، وها قد رحل النظام البائد بفعل مباشر من ثورة مباركة أطاحت به نهائياً وبدأت مرحلة جديدة لتأسيس دولة واعدة بمفاهيم وقيم وأساليب مختلفة، ومع ذلك فإن جل ما تمخض عنه رأي فارضي العقوبات هو تعليقها لفترة مؤقتة وليس رفعها أو إلغاؤها.
حقيقة لقد فقدت العقوبات بكل أشكالها بعد انتصار الثورة وزوال الطاغية وأركان نظامه مبررات وجودها وحان الوقت للإصغاء إلى نداءات ومطالب القيادة السورية الجديدة لرفعها وإلغائها بالكامل لأن التلويح بعدم رفعها نهائياً سيترك السوريين أمام شك كبير وعدم يقين بنزاهة وصدق الادعاءات السابقة لفارضيها، وسيبقى تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن السوري رهناً بمدى صدق النوايا من عدمه.