الحرية – لوريس عمران:
تشهد العلاقات السورية – الأمريكية، تحولاً غير مسبوق، يصفه مراقبون بأنه «تاريخي» في مسار السياسة الأمريكية تجاه دمشق، فبعد سنوات من العقوبات والضغوط، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار والازدهار، هذه التصريحات، التي صدرت عبر منصة «تروث سوشيال»، لم تكن مجرد موقف عابر، بل حملت إشارات واضحة إلى أن واشنطن باتت تنظر إلى سوريا من زاوية مختلفة، حيث أصبح الاستقرار السياسي والاقتصادي هدفاً مشتركاً، وليس مجرد ملف نزاع.
وقد أكد ترامب رضا الولايات المتحدة عن النتائج في سوريا، مشيراً إلى أن رفع العقوبات شكّل خطوة محورية نالت تقدير القيادة والشعب، وداعياً إلى حوار مباشر مع «إسرائيل» لدعم التطور الاقتصادي، كما أشاد بدور الرئيس السوري أحمد الشرع في توجيه الأوضاع نحو الأفضل، واعتبر المرحلة فرصة تاريخية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وفي ضوء هذه التصريحات، جاء تعليق المستشار السياسي في واشنطن، المحامي إسماعيل باقر، ليضعها في إطار التحول المدروس في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا خلال العام الماضي، موضحاً أن استقرار البلاد بات مرتبطاً بشكل مباشر بقدرتها على تحقيق نهوض اقتصادي فعلي، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة لإزالة العقوبات التي كانت تعيق عملية إعادة الإعمار وعودة سوريا إلى الأسواق.
التحول السياسي المدروس في واشنطن
وأوضح باقر أن الإدارة الأمريكية عملت ضمن حدود الصلاحيات المخوّلة للرئيس ووزارة الخزانة لإصدار إعفاءات من العقوبات، مبيناً أن قانون قيصر يُعدّ الأداة الأخيرة التي تقع خارج نطاق السلطة التنفيذية المباشرة، ومع ذلك، قامت الإدارة بخطوة غير مسبوقة عبر إصدار إعفاء لمدة ستة أشهر من العقوبات الإلزامية الواردة فيه، ثم جددت هذا الإعفاء بقرار ثانٍ موقّع من وزير الخارجية. هذا الإجراء، بحسب باقر، يعكس بوضوح رغبة واشنطن في منح سوريا فرصة لتحقيق الازدهار المنشود، ويؤكد أن التحول ليس شكلياً بل عملي.
خطوات أمريكية لردم الفجوة
وأشار باقر إلى أن الرئيس ترامب أكد حسن النية تجاه دمشق من خلال خفض الرسوم الجمركية على البضائع السورية من 40% إلى 10%. هذه الخطوة تعبّر عن إدراك واشنطن لحساسية المرحلة والفجوة الاقتصادية التي تشهدها دولة خارجة من الحرب، وتسعى لملء هذا الفراغ بدعم واستثمار غربي وخليجي لمنع توجه سوريا شرقاً بحثاً عن بدائل، مضيفاً أن ما يجري ليس مجرد ملف عقوبات، بل هو سباق مع الزمن لدعم إعادة دمج سوريا في الأسواق الدولية وضمان أن مسار الاستقرار يتوافق مع المصالح المشتركة في الأمن والرخاء الإقليمي.
الأمن الإقليمي والدبلوماسية السورية النشطة
كذلك شدد باقر على أن اهتمام الولايات المتحدة لا يقتصر على أمن «إسرائيل»، بل يمتد ليشمل أمن جميع دول المنطقة، حيث تتبنى الإدارة الحالية مقاربة إقليمية تعتبر أن أمن الشرق الأوسط مترابط، مؤكداً أن ملف الحدود بين سوريا و«إسرائيل» يتصدر قائمة الأولويات، وأن واشنطن منخرطة في حوار مستمر ومباشر مع القيادة السورية، بالتزامن مع دبلوماسية سورية نشطة وغير مسبوقة.
ولفت المستشار السياسي إلى أن تضافر الانخراط الأمريكي والانفتاح الدبلوماسي السوري والتطورات الإقليمية يخلق فرصة واقعية لتحقيق تقدم جوهري، بما في ذلك ترتيبات أمنية موثوقة تعود بالفائدة على جميع الأطراف.
تطابق المصالح.. رؤية غير مسبوقة
كما أشار باقر إلى أن النبرة الإيجابية التي صدرت عن الرئيس ترامب ليست وليدة اللحظة، بل هي حصاد لمسار بدأ منذ عام تقريباً، ويستند إلى إدراك واشنطن لحاجة سوريا للنهوض وثقتها بقدرة القيادة السورية على توجيه البلاد نحو الاستقرار.
وبيّن أن الدعم الأمريكي والأوروبي لم يكن رمزياً، بل جاء استجابة لخطوات ملموسة أثبتت جدية دمشق في تحقيق التغيير.
وفي تحليل لرسالة الرئيس الأمريكي، أوضح باقر أن ترامب يوجه رسالتين: الأولى أن ثمار الجهد الدبلوماسي السوري أصبحت ناضجة وجاهزة للقطاف، والثانية أن الأطراف التي تتعارض مصالحها مع الموقف الأمريكي عليها إعادة حساباتها بما ينسجم مع رؤية واشنطن لسوريا مستقرة ومزدهرة.
وأكد أن هذا ينسجم مع تصريح الرئيس أحمد الشرع بأن «مصالح سوريا ليست متقاطعة مع مصالح الولايات المتحدة، بل هي في حالة تطابق معها»، وهو مستوى غير مسبوق من التوافق بين دمشق وواشنطن، جعل هذه المرحلة ممكنة وفتح الباب أمام آفاق جديدة للتعاون.
السلام والازدهار
وفي ختام حديثه، لفت المستشار باقر إلى أن التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب تمثل تتويجاً لمسار دبلوماسي مدروس، يتكامل فيه الانخراط الأمريكي مع الانفتاح السوري لتحقيق استقرار طويل الأمد.
وأوضح أن الولايات المتحدة، بالتنسيق مع حلفائها، تسعى لضمان أن المسار المستقبلي لسوريا يتماشى مع المصالح المشتركة في الأمن والرخاء، بعيداً عن أي تدخلات خارجية قد تقوض هذه الجهود، مشيراً إلى أن ما يجري اليوم ليس مجرد تعديل في السياسات، بل هو فرصة تاريخية لإعادة صياغة المشهد الإقليمي، انطلاقاً من سوريا كدولة حقيقية ومزدهرة، كما وعد الرئيس ترامب.