العلاقات السورية – التركية بمستواها الاستراتيجي.. الرئيسان الشرع وأردوغان يرسمان الخطوط الرئيسية لشراكات قائدة في المنطقة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية– مها سلطان:

لن تغادر العلاقات السورية – التركية مجهر المراقبة والترقب الإقليمي/الدولي، في ظل شبه إجماع على أنها ستكون علاقات استراتيجية مفتوحة على كل المسارات والمستويات، سواء بين البلدين، أو بانعكاساتها على مستوى خريطة جيو اقتصادية/سياسية في الإقليم، حيث وصلت حالة الاستقطاب أقصاها، قبل المنعطف التاريخي الجذري في 8 كانون الأول الماضي، بانتصار الثورة السورية. في ذلك اليوم بدا أن المنطقة استدارت عائدة (180) درجة إلى حالة التموضعات السابقة، ما بين غرب وشرق، إلا أن المنعكسات كانت أكبر وأعمق من مجرد الاستدارة، التموضعات السابقة لم تعد إلى سابق عهدها فقط، بل اكتسبت أوراق قوة جديدة، وبما سيقلب كامل خريطة المنطقة، وهذا بدأ فعلياً إذا ما تتبعنا مسارات العلاقات السورية الجديدة مع الجوار والإقليم.
ولأن العلاقات السورية – التركية هي في قلب هذه المنعكسات، بل هي من سيقودها، في الجزء الأهم والأبرز، فإن كل تطور في مسار هذه العلاقات سيكون محط تركيز شديد من قبل الجميع، خصوصاً مع إعلان تركيا أنها بصدد «وضع خريطة طريق مشتركة لتطوير قدرات الجيش السوري واتخاذ خطوات ملموسة بهذا الصدد» تماشياً مع مطالب الحكومة السورية الجديد، وفق المتحدث بوزارة الدفاع التركية في مؤتمرها الصحفي الأسبوعي.
وفي المؤتمر شدد المتحدث على أن «تركيا مستعدة لتقديم كل الدعم الممكن لسوريا» مشدداً على أن جهود الحكومة السورية الجديدة لضمان الاستقرار في كامل سوريا تحظى بالدعم».
يأتي ذلك غداة تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس أحمد الشرع في العاصمة أنقرة، أن بلاده «ستعمل على رفع العلاقات مع دمشق إلى مستوى استراتيجي».
ورد الرئيس الشرع بأن «الشعب السوري لن ينسى ما قدمته تركيا لسوريا طوال السنوات الماضية، و اليوم هناك علاقات أخوية متميزة بين البلدين ونؤكد على تحويلها إلى شراكة استراتيجية عميقة في جميع المجالات».

الرئيسان الشرع وأردوغان نحو تعزيز شراكات استراتيجية بأبعاد عربية – إقليمية

رفع العلاقات إلى المستوى الاستراتيجي كان أمراً متوقعاً، بل منتظر، وهو مطلوب بين البلدين، دون تجاهل مسألة أن كليهما يعملان بصورة حثيثة أن يكون هذا المستوى الاستراتيجي مكملاً لمسارات عربية/إقليمية، لا تثير قلقاً أو مخاوف، في ظل التقاطعات التي تشهدها المنطقة، ومن هنا يتحدث المراقبون عن حالة اصطدام مصالح، إذا جاز لنا التعبير، فيما تبدو الرئاستان السورية والتركية على تنبه ودراية كاملين فيما يخص هذه التقاطعات، وعلى فهم عميق لما تتطلبه عملية مراعاة وإزالة المخاوف والقلق.
علماً أن مسألة استهلال الرئيس الشرع زياراته الخارجية إلى السعودية ثم إلى تركيا يدل على تكامل وليس على تصادم، وأن هناك استناداً على حالة توافق وتفاهم، تركي/عربي، لم تكن متوافرة خلال العقدين الماضيين تقريباً، وأن المرحلة الحالية في المنطقة، هي للتفاهم والتعاون وليس للاصطدام إذا ما أخذنا بالاعتبار المسارات الاقتصادية العالمية وما ستفرزه على الخرائط السياسة للإقليم.. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أيضاً أن عملية التفاهم والتوافق تلك هي أبعد مدى من سوريا باتجاه دول عربية أخرى، هي ضمن الخرائط الاقتصادية تلك.
وإذا ما عدنا إلى المستوى الاستراتيجي في العلاقات التركية – السورية، فإنه لا يمكن تجاهل الحقائق الجغرافية في هذا المستوى مع حدود تمتد إلى 911 كلم، (سوريا وتركيا كلاهما يشكلان عمقاً استراتيجياً للآخر).. وتالياً الحقائق الأمنية (ملف قسد) والتداخل/ الأهمية الاقتصادية، ما بين سوريا كبوابة لتركيا باتجاه الخليج، وما بين تركيا كبوابة لسوريا باتجاه أوروبا.
وبناء على ما سبق، وغيره كثير، فإن المرحلة المقبلة ستشهد تعاوناً كبيراً بين البلدين، خصوصاً ما بعد زيارة الرئيس الشرع لتركيا التي أرست الخطوط الرئيسية للمستوى الاستراتيجي، فيما يشير مراقبون إلى أن هذه المرحلة نفسها ستكون محل اختبار لمدى القدرة على تحقيق وترسيخ شراكات استراتيجية مستدامة، في ظل تحديات ليست بالسهلة على الإطلاق.
لذلك فإن أغلب المراقبين يحاذرون في مسألة تقديم إجابات أو مسارات حاسمة، أو توقيتات زمنية محددة، إذ لا بد من الانتظار والترقب، ولكن ليس لفترة طويلة، فمن المتوقع أن تشهد العلاقات السورية – التركية، والمنطقة عموماً، تطورات دراماتيكية كبيرة، وما علينا سوى ضبط الساعة على إيقاع دمشق وقيادتها الجديدة، ومساراتها المقبلة.. ودائماً سيكون لكل حادث حديث.

Leave a Comment
آخر الأخبار