الحرية- آلاء هشام عقدة :
يرى الخبير الاقتصادي وعضو جمعية المحللين الماليين د. فراس حداد أن مقاربة مصرف سوريا المركزي في عدم التسرع بتحديد موعد لإطلاق العملة المحلية الجديدة وحصرها مباشرة به ، تُعدّ مقاربة منطقية ومنسجمة مع متطلبات المرحلة، فالتأجيل إلى ما بعد رفع العقوبات وبدء النتائج الإيجابية لها أتاح بيئة أكثر ملاءمة لنجاح أي إجراء نقدي، خاصة مع عودة قنوات التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية الدولية، بما يسهم في إعادة دمج الاقتصاد السوري ضمن الأنظمة الاقتصادية والمالية العالمية من جهة، ويُهيئ الأداة النقدية لدعم مستويات النمو الإنتاجي التي تتطلبها مرحلة إعادة الإعمار من جهة أخرى.
إصلاح اقتصادي ومالي
ويؤكد حداد أن استبدال العملة لا ينبغي التعامل معه كإجراء شكلي أو كهدف بحد ذاته، بل كجزء من مسار إصلاح اقتصادي ومالي متكامل، يهدف إلى تحقيق الاستقرار النقدي وتحفيز النشاط الاقتصادي.
وفي هذا السياق، يُعدّ التوقيت عنصرًا حاسمًا، لا سيما بعد فترة طويلة من معدلات تضخم مرتفعة ومتراكمة سابقة ، لتتراجع بشكل ملموس خلال عام 2025 من مستويات تجاوزت 100% إلى نحو 15% وفق الأرقام الأولية الصادرة عن مصرف سوريا المركزي والذي يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا مهمًا، لان استبدال العملة في ذروة التضخم سبق أن كان له نتائج سلبية في العديد من تجارب الدول حول العالم.
ومع ذلك فتراجع معدلات التضخم لا يكفي بمفرده للمضي بطرح العملة الجديدة ما لم يُستكمل بإجراءات مرافقة.
ومن أبرز التحديات التي ينبغي معالجتها قبل أي عملية استبدال للعملة، كمشكلة الكتل النقدية الموجودة خارج القطاع المصرفي، والتي نتجت عن سنوات طويلة من تمويل عجز الموازنة عبر الإصدار غير المشروط ضمن منظومة الفساد للنظام البائد.
ما يجعل معالجة هذه المشكلة ضرورية لضمان نجاح الاستبدال ومنع تحوّل الكتلة النقدية خارج المصارف إلى عامل ضغط أو مضاربة على العملة الجديدة.
ضمان توفر السيولة الكافية
وفي هذا الإطار، يشدد حداد على ضرورة ضمان توفر السيولة الكافية داخل المصارف خلال مرحلة الاستبدال، بما يطمئن المتعاملين ويعزز الثقة بالإجراءات المتخذة، إلى جانب إعادة تأهيل البنية التقنية للمصارف وربط العملية بمنظومة مدفوعات إلكترونية قوية.
ويؤكد حداد أن تنفيذ الاستبدال جزئيًا عبر المحافظ الإلكترونية ووسائل الدفع الرقمية من شأنه أن يحدّ من الاعتماد على النقد الورقي، ويُحسّن القدرة على تتبع الكتلة النقدية، ويرفع من كفاءة أدوات السياسة النقدية لاحقًا.
ويضيف أن العملة الجديدة قد تحمل أثرًا نفسيًا إيجابيًا يسهم في تعزيز الثقة، إلا أن هذا الأثر يبقى محدودًا في المدة إذا لم يُدعَم بأدوات فعلية بيد المصرف المركزي.
وهنا تبرز أهمية البدء بتفعيل أدوات السياسة النقدية، ولا سيما جذب الاستثمارات قصيرة الأجل وطرح أذونات الخزينة، لما لها من دور أساسي في التدخل في السوق والتحكم بحجم الكتلة النقدية المتداولة، ومع وجود احتياطي من الذهب، يُعوَّل أيضًا على أن تُدعَم هذه الأدوات بودائع أجنبية من الدول الشقيقة والصديقة، بما يمنح المصرف المركزي هامشًا أوسع للإدارة النقدية في المرحلة التالية.
ويخلص حداد إلى أن استبدال العملة، في حال تنفيذه ضمن هذا الإطار المتكامل، يمكن أن يشكّل عامل استقرار ودعم لمسار الإصلاح الاقتصادي، ويسهم في ضبط معدلات التضخم، ويُساعد على الوصول إلى معدلات النمو المطلوبة لتحسين مستويات الدخل في الفترات القادمة.