العملة الجديدة والإجابة عن سؤال: لماذا روسيا؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية– مها سلطان:
عاد «جدل روسيا» بمجرد ذكر اسمها في عملية طباعة عملة سوريّة جديدة. ورغم الانشغال بتفاصيل هذه المسألة، أسبابها وأهدافها وتداعياتها والفوائد المحتملة، إلا أنه انشغال ترافق مع أسئلة موازية تتمحور حول «لماذا روسيا؟»، رغم أن التصريحات الرسمية وضعت روسيا (شركة غوزناك) من ضمن ثلاثة خيارات دولية لطباعة العملة الجديدة. وحتى لو لم تكن هناك خيارات دولية، ما هو الضير من الاستعانة بروسيا؟
إذا كنا نثق بالدولة ومساراتها السياسية والاقتصادية، فإن علينا الثقة أيضاً بخياراتها الدولية، والقيادة السورية تعلن باستمرار انفتاحها على جميع الدول، ومن ضمنها روسيا، وأن التعامل مع روسيا يسير وفق مسار تصحيحي لوضع العلاقات في إطارها السليم وعلى قاعدة «دعم روسي بلا وصاية/بلا امتيازات مجانية». لنعتمد هذه القاعدة بدلاً من تكرار عبارة «روسيا تعود إلى سوريا» بلا طائل. لا يهم هنا كل ما يُقال حول روسيا التي تعود من بوابة الساحل أو السويداء أو الأكراد.. وأخيراً من باب العملة الجديدة. هذا لا يهم عملياً.
لنوضح هنا أن «روسيا لا تعود إلى سوريا». عملياً روسيا ما زالت في سوريا وإن كان تواجدها في سوريا خاضعاً للكثير من الاعتبارات والتفاوض. ما بين سوريا وروسيا في هذه المرحلة عملية تقييم للمسارات والمصالح/الاتفاقيات والتفاهمات/ ولم تنتهِ بعد لنقول إن روسيا غادرت أو عادت. روسيا عملياً لا تفكر بتلك البوابات (بوابات العودة) التي يستفيض المحللون والمراقبون في عرضها وشرحها. ليست روسيا بصدد التفكير باستراتيجية قاصرة في تعاملها مع سوريا الجديدة، بل هي تعمل على تغيير كامل النهج، وربما كانت زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني لروسيا أواخر تموز الماضي، ترجمة عملية لمسار جديد بين البلدين.
لنوضح أيضاً أن القيادة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد (الذي كان حليفاً لروسيا) في 8 كانون الأول الماضي، لم تعلن حالة عدائية ضد روسيا، بل كانت تصريحاتها الهادئة والمتزنة محط تقدير وإعجاب واهتمام، دولياً، وعلى مستوى روسيا التي تسعى عملياً للرد بالمثل وتوسيع دائرة التواصل والتفاهم وفتح صفحة جديدة مع الدولة السورية وإبداء الرغبة والاستعداد للمساهمة في الاقتصاد والمشاريع والاستثمارات… إلخ.
الدولة السورية بالمقابل تعمل على موازنة علاقاتها مع الجميع، وهو الأهم في هذه المرحلة في ظل ما تواجهه من تحديات أمنية داخلية وخارجية، ولا شك أن هناك حسابات دقيقة لإمكانية الاستفادة من دور روسي، رغم الماضي الأسود لهذا الدور في سوريا. لا يمكن لأحد أن ينكر أن روسيا تتمتع بثقل دولي، وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ولأن السياسة مصالح (لا عدو دائم ولا صديق دائم) ولا بد من تكييفها نحو أقصى استفادة، فإن روسيا هنا مهمة لسوريا.
على الأكيد لا تريد روسيا خروجاً من سوريا، وستسعى ما أمكنها للبقاء والاحتفاظ بقاعدتيها في اللاذقية وطرطوس، وهي تسعى لذلك بالكثير من الحذر والتروي والخطوات المحسوبة.
بالنسبة لموسكو فإن العلاقات مع دمشق تمر بمرحلة إعادة تشكيل عميقة، إذ تتكيف روسيا، التي كانت تفرض شروطها في عهد الأسد، مع واقع جديد وقيادات ومطالب مختلفة. ورغم الخلافات والمطالب غير الملباة بعد (أو لنقل التي هي قيد التواصل والتفاهم) تبقى روسيا وسوريا تتقاسمان مصالح استراتيجية مشتركة، تدفعهما لتعزيز التعاون في مجالات عدة.
في المؤتمر الصحفي المشترك للوزير الشيباني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أعادت روسيا دعوة الرئيس أحمد الشرع للمشاركة في المؤتمر العربي- الروسي الذي سيُعقد في موسكو 15 أيلول الجاري، ويشارك به عدد كبير من الرؤساء، على المستويين العربي والدولي.
لا شك أن روسيا تعوّل بصورة كبيرة على مشاركة الرئيس الشرع، وتعمل في سبيل أن تتحقق، وخصوصاً أنها تأتي قبل أيام فقط من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (22-30) أيلول المقبل، والتي من المقرر أن يشارك بها الرئيس الشرع وفق الإعلان الرسمي لوزارة الخارجية السورية.
ما سبق هو جزء من الإجابة عن سؤال لماذا يرد اسم روسيا ضمن الخيارات الدولية لطباعة العملة الجديدة، وإذا كانت العملة الجديدة المرتقبة تمثل تحولاً سياسياً (اقتصادياً) ضرورياً، فإن هذا مرتبط أيضاً بالتعاون بين سوريا والعديد من الدول، ومن ضمنها روسيا، وربما كانت روسيا خياراً مفضلاً لأن سوريا الجديدة تستطيع بناء علاقات جديدة معها على القاعدة المذكورة بداية (دعم بلا وصاية وبلا امتيازات مجانية)، ولأن روسيا تحتاج فعلياً لأن تكسب سوريا على المدى الطويل، ومن هنا تستطيع سوريا إدارة علاقات سليمة مع روسيا وبما يعود بالمنافع عليها سياسياً واقتصادياً.

Leave a Comment
آخر الأخبار