الخبرة والكفاءة في سوريا : استثمار القوى العاملة و إعادة تأهيل رأس المال البشري

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

 

 

 

 

الحرية ـ سامي عيسى:
مراحل كثيرة قطعنا فيها أشواطاً من العمل، اختلفت فيها وجهات النظر إلى مكونات النجاح في كل مرحلة، البعض يراها في المكون البشري، ومنهم في رأس المال، وآخرون في توافر الخدمات ومقومات البنية التحتية، لكن الخيار الصح، كل ذلك مطلوب، لأن نجاح العمل الاقتصادي يحتاج إلى مجموعة مقومات، وما ذكرناه هو بعض جزئيات هذا النجاح، والتي أهمها ما يتعلق بجزئية “العمالة والخبرة والكفاءة ” التي يقع على عاتقها أسباب النجاح وتأمين مكوناته.
لهذا السبب وغيره، تكثر أحاديث الاستثمار في الثروة البشرية وهذه ليست وليدة وقتنا هذا، بل تعود لمراحل سابقة، الجميع طالب فيها، باستثمار المكون البشري، بخبراته وكفاءاته واليد المشتغلة فيه، لكن كل مرحلة لها طبيعتها وظروفها، تختلف فيها طبيعة هذا الاستثمار، من حيث الأهمية الاستثمارية والتشغيلية وغيرها، وحتى القدرة الاستيعابية لهذا المكون.

سياسات التشغيل الخاطئة أدت لتفريغ القطاعات الإنتاجية والخدمية من أهل الخبرة والكفاءة العلمية وحتى اليد المشغلة لقوة العمل

تعددت الأسباب

وما يختلف اليوم عن الأمس، هو طريقة التفكير في ظل سنوات حرب ظالمة بكل الاتجاهات، فقدنا فيها الكثير من الخبرات واليد العاملة الكفوءة، تارة بفعل الاستهداف المباشر للخبرات والكفاءات، وأخرى بفعل سياسات التشغيل، التي أدت للهجرة، وتفريغ القطاعات الإنتاجية وغيرها، من أهل الخبرة والكفاءة العلمية، وحتى اليد المشتغلة والمشغلة لقوة العمل، على اختلافها وتنوعها، وهذه مسألة ليست بخافية على أحد، ويعلمها الجميع، ونجاح الحكومة في تنفيذ استراتيجيتها لإعادة الاعمار، يعتمد في كليته على استثمار المكون البشري بكل جزئياته، وليس ببعضها، والتي تتفاوت بين قطاع وآخر بفعل الإمكانات ومدى توافرها.

الأكثر ضرراً

لكن أمام ذلك تدور الكثير من الأسئلة في مخيلة الفعاليات المتضررة، من تدهور سوق العمل في سورية وهروب خبراتها، والسلاح الأقوى في نجاح أي نشاط مهما كان نوعه، وخاصة ما يتعلق بالنشاط الصناعي، لذلك نجد الصناعيين هم الأكثر ضرراً، والأكثر مطالبة في تصحيح هذه الظاهرة، حيث لم يتركوا باباً إلا طرقوه في السابق واليوم، وحتى مستقبلاً، سواء على المستوى الرسمي والحكومي، أو خلال اللقاءات الأهلية والصناعية النوعية وغيرها، والأهم المطالبة بموضوع التأهيل والتدريب للعمالة المتوافرة لديهم لزيادة الخبرة والكفاءة ، والوافدة إلى سوق العمل أيضاً، كل ذلك وفق رأي الصناعي لؤي نحلاوي خلال حديثه لصحيفة “الحرية” من أجل تحسين إنتاجية المعامل وغيرها من المنشآت الصناعية التي أكثر ما يهمها هو تأمين عمالة مدربة وتمتلك المهارات اللازمة لتشغيلها، وذلك من خلال التركيز على أهمية التعليم التقاني بالنسبة للصناعة السورية والاستثمارات الواردة قريباً، ولرفد سوق العمل بكافة الاختصاصات المطلوبة..

فرصة كبيرة

مع الإشارة إلى جانب مهم، يتعلق بضرورة تدريب طلاب المعاهد المتخصصة، خلال فترة الدراسة لدى المعامل المختلفة، حسب الاختصاص، بحيث يكون الخريج على دراية كاملة، وعملية في اختصاصه، وبالتالي يتمكن من الحصول على فرصة عمل بعد تخرجه..
نحلاوي وجد في معاهد التدريب فرصة كبيرة لدعم سوق العمل باليد الخبيرة، والمنتجة بطاقات أكبر، حيث أكد أهمية المراكز التدريبية وحيويتها، خاصة أنهم كصناعيين، بحاجة إلى كوادر مدربة ومؤهلة، مبيناً أن الغرفة في مسيرة عملها كانت تعمل على موضوع المراكز التدريبية الممولة من منظمات خارجية وحتى محلية، وتم البدء بافتتاح أول فرع في عدرا الصناعية، أملاً أن يتم إنشاء أكثر من مركز تدريب، وفي كل منطقة صناعية، أو مدينة صناعية معني بأكثر من اختصاص، خراطة وتسويق وإدارة الأعمال، ومحاسبة وتكاليف وبالخياطة أيضاً، بحيث يشمل الكثير من الأصناف، وقطاعات صناعية تحتاجها المصانع، مؤكداً حالة الضعف الكبيرة في توافر الكوادر الخبيرة..

فعاليات صناعية: قطاعاتنا الإنتاجية متعطشة للعمالة الخبيرة والمنتجة بطاقات أكبر والمعالجة تبدأ بمراكز التدريب والتأهيل المتطورة

بوابة عبور

ما تقدم من رأي لا يمثل فقط أهل الكار الصناعي، بل كافة القطاعات المنتجة، بما فيها الخدمات وغيرها، لذلك نجد موضوع الخبرة والكفاءة أصبحت معاناة الجميع، وهذه بحاجة إلى معالجة جذرية، تبدأ بتوفير البنى التحتية المساعدة من رأس مال وخدمات، والأهم مراكز ومعاهد تدريبية، تكون الممول الكبير، والداعم للقطاعات المنتجة، بالكوادر المؤهلة لقيادة العمل، وبهذا الخصوص يرى خبير التنمية الدكتور “وائل الحسن” في تصريحه لصحيفة “الحرية” أن التعليم التقني والمهني، يشكلان بوابة رئيسية لسد الفجوة في سوق العمل، وذلك من خلال إعادة بناء رأس المال البشري، فالتعليم المهني يُعد أداة استراتيجية لإعادة بناء القوى العاملة بعد سنوات من النزاع، خاصة في القطاعات الحيوية كالصناعة، البناء، والصحة، والربط بين التعليم وسوق العمل أيضاً، فالبرامج المهنية تزوّد الشباب بمهارات عملية مباشرة، ما يقلل الفجوة بين الدراسة والتوظيف.
إلى جانب مكون مهم، يحمل المرونة والتكيف، فالتعليم المهني قادر على مواكبة التغيرات السريعة في السوق المحلي، ويعزز ريادة الأعمال، والابتكار في ظل محدودية الموارد…
أما فيما يتعلق بدور المراكز التدريبية من التلقين إلى التمكين، فهي تعمل ضمن منظومة تأهيل مباشر للمهن الصناعية، فالمراكز التدريبية في المناطق الصناعية، يمكن أن تُصمم برامج مخصصة حسب احتياجات كل منطقة، مثل الكهرباء، الميكانيك، التمديدات، وصيانة المعدات وغيرها..
ولتفعيل ذلك، لابد من تحقيق شراكات مع القطاع الخاص، من خلال التعاون مع المصانع والشركات يضمن تدريباً عملياً، وتوظيفاً مباشراً للخريجين، وتحديث المناهج والمدربين، إذ لابد من إعادة تأهيل الكوادر التدريبية، وتحديث المناهج لتواكب التكنولوجيا الحديثة، خاصة بعد فقدان الكثير من الخبرات بسبب الهجرة.

محفزات العودة

والموضوع الأهم هنا، كيف نعيد خبراتنا الوطنية، وكفاءاتنا التي هاجرت بفعل الظروف والحرب، فقد أكد “الحسن” في حديثه، أن الكثير من الخبرات السورية في الخارج، تحمل حنيناً للوطن، ويمكن جذبها عبر مجموعة من الإجراءات، مثل التدريب عن بعد أو المشاركة في إعادة الإعمار، وإحداث برامج “العودة الجزئية” التي تتيح للخبراء تقديم دورات تدريبية، أو استشارات لفترات قصيرة دون الحاجة للاستقرار الكامل، إضافة إلى إنشاء بوابات إلكترونية، تربط بين الخبرات في الخارج، والمراكز التدريبية المحلية، لتبادل المعرفة وتنفيذ مشاريع مشتركة..

ا-لحسن: التعليم التقني والمهني بوابة رئيسية لسد الفجوة في سوق العمل.. وأداة استراتيجية لإعادة بناء القوى العاملة في ميدان الإنتاج..

في النهاية

كل ما ذكرناه بكفة والعمل الحكومي بكفة أخرى، وبالتالي هذا الأمر يفرض على الحكومة اليوم تبني سياسة واضحة تجاه خبراتها، لاستثمارها كما يجب، في إعادة تأهيل بنية الإنتاج المؤسسة لحالة اقتصادية قوامها تطوير المناطق الصناعية والزراعية، وتعظيم قوة الإنتاج فيها، بما يساهم في تعديل ظروف استثمار الخبرات البشرية، لأن كل حالات التعافي، وإعادة الإعمار تبدأ بتعافي هذا المكون، والذي يحتاج في أيامنا هذه إلى إعادة نظر، وفلسفة استثمار جديدة، تمكن الحكومة من استثمار ما تبقى لديها من مفردات القوة البشرية المتنوعة، والتي هي بطبيعة الحال “ولادة” لكنها تحتاج لمن يرعى ويحسن التنفيذ، والتوجيه نحو القطاعات المنتجة والتي تحقق عوائد مادية واقتصادية، المستفيد منها مساحة وطن بأكمله، وليس فقط مجموعة أفراد..

Leave a Comment
آخر الأخبار