العودة إلى الريف..!

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- عمران محفوض:

لاشك أن المشروعات الاستثمارية الضخمة التي أُعلِن عنها محلياً خلال الأشهر الماضية، عبر اتفاقيات ومذكرات تفاهم، التي قاربت تكلفتها حدود الـ 30 مليار دولار، تشكل بارقة أمل بعودة الاقتصاد السوري إلى طريق التعافي والإنتاج، والأهم الاندماج في فضائه العالمي مروراً بمحيطه العربي.
بالطبع هذه الإنجازات الاستثمارية العظيمة ما كان لها أن تصبح أمراً واقعاً لولا الجهود الكبيرة الفردية والمؤسساتية التي بذلتها الحكومة الجديدة ليلاً ونهاراً، وتواصلها المستمر مع الأشقاء العرب، والأصدقاء الأجانب من خلال الزيارات المكوكية، والاتصالات اليومية معهم لإقناعهم بأهمية ما تقوم به الدولة السورية من إجراءات بناء الثقة، وإعادة هيكلة المؤسسات، وتعديل القوانين والتشريعات، ومكافحة الفساد، وتخفيف الروتين والبيروقراطية وصولاً إلى إنتاج بيئة استثمار شبه متكاملة تستطيع جذب هذا العدد الكبير من المشروعات التنموية، وفي فترة قصيرة وفق المقياس الزمني.
نقول: كلّ ذلك مهم بل أكثر من مهم، إلّا أن هذه الإنجازات يجب أن تتم بالتوازي مع تنفيذ خطط واستراتيجيات أخرى على الصعيد المحلي الكلي والمكاني تستهدف الريف قبل المدينة، والقرية قبل العاصمة وفق الأولويات الجغرافية، وتوافر المواد الأولية والموارد الطبيعية المناسبة لتنفيذ كل مشروع أو خطة على حدة، وفي هذه المناسبة لابد من استحضار المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وما تم تحت مظلتها من تنفيذ مبادرات أسروية وعائلية وقروية كان لها الدور البارز في عودة الكثير من الموظفين إلى قراهم بعد سنوات من مغادرتها بحثاً عن فرصة عمل، وعودة الكثير من السوريين إلى زراعة أراضيهم بعد أن هجروها لعقود فعادت خضراء، وفاضت بالمحاصيل الزراعية التقليدية، وهجّنوها بمزروعات آسيوية وإفريقية، وزادوا في مشروعات الريف من خلال التوسع في بناء مداجن الدجاج وحظائر تربية المواشي والنحل والطيور المتنوعة… إلخ.
باختصار .. ما نرمي إليه عبر هذه السطور هو الأخذ بالاعتبار أهمية تنويع محافظ الاستثمار، وتوزيعها بين المدينة والريف بشكل عادل ومتناسق حتى لا نعود إلى الوراء عبر استنساخ أخطاء ارتكبتها الحكومات في الماضي، وتجريب المجرب، ومن ثم الفرملة والاستدارة لتصحيح المسار، وتعديل الخطط، وتقويم القرارات، لذلك علينا أن ندرك اعتباراً من اليوم أن تركيز المشروعات الاستثمارية في المدن سيخل ميزان التوازن التنموي ويجلب العمالة الريفية إليها، وستميل كفة التشغيل لمصلحتها على حساب الريف، وتالياً تراجع مشروعات الإنتاج الزراعي المذكورة، مع ما يرافقها من محاولات ترميم للمساحات الخضراء التي خسرناها بسبب الحرائق، والأهم من ذلك نكون قد فقدنا القدرة على تحقيق الأمن الغذائي الوطني، وطبعاً هذا سيفرض علينا إنفاق معظم الدولارات التي جلبناها استثمارياً لتسديد فاتورة استيراد سلتنا الغذائية فنكون كمن يمشي خطوة للأمام واثنتين للخلف، وهذا ما لا نأمله..!

Leave a Comment
آخر الأخبار