الحرية – باسمة اسماعيل:
تبدو الغابة اليوم أكثر من مجرد مساحة خضراء أو مورد بيئي، إنها مصدر حياة للكثير من العائلات في أرياف محافظة اللاذقية، وملاذ اقتصادي تعويضاً عن الغلاء وشح الموارد، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، ومع هذا لا تزال هذه المساحات تتعرض لهجمة مزدوجة من التعديات البشرية وحرائق الصيف، التي تحرق معها ما تبقى من الأمل.
بين الواقع والطموح
عدد من الأهالي في ريف محافظة اللاذقية أعربوا عن تقديرهم لأهمية الغابة، ليس فقط بوصفها مصدراً لأوراق الغار، أو للحطب الذي يتم اقتطاعه بطريقة صحيحة كما كان الأجداد يعتمدون عليه، بعيداً عن بعض ضعاف النفوس الذين يقتطعونه بشكل عشوائي للبيع أو التفحيم، بل كمكون بيئي واجتماعي أساسي، مؤكدين على رغبتهم في حماية الغابة والانخراط الفعلي في إدارتها، حيث بيّن أحد المواطنين من ريف جبلة لصحيفتنا “الحرية” وقد تقاطعت معه آراء كثر ممن التقتهم صحيفتنا من أرياف المحافظة، نحن لا نقطع الأشجار بشكل يؤذي نموها، فالاحتطاب بشكل صحيح كنوع من التقليم، وأغلبية مَن يحتطب لمنزله لدرء برد الشتاء، ويعلم الاحتطاب الجائر سيؤثر عليه في الموسم القادم، الغابة كانت دوماً معنا، وحمايتها من واجبنا، وأكبر دليل عندما اندلعت الحرائق أغلب أهالي المجتمع الأهلي شباباً وكباراً ونساء وأطفالاً شاركوا في إطفائها، فلماذا إلى الآن لم يتم إشراكنا بوضوح وشفافية بحمايتها، وأيضاً متابعة التجار وأصحاب التفحيم ومفتعلي الحرائق.
أما إحدى الأرامل التي تعتمد على بيع أوراق الغار، فأكدت أن الاحتطاب صار وسيلة عيش، لكننا نعرف الأصول، نداريها كما نداري أولادنا، ما يؤلمنا هو الحرائق التي تلتهم ما نحب.
ورغم هذه الرغبة بالمشاركة، يشكو المواطنون من غياب آليات واضحة من الجهات الرسمية لإشراكهم فعلياً في الحماية، رغم وجود القانون رقم 39 لعام 2023، الذي نص على تعزيز دور المجتمعات المحلية في إدارة الغابات واستثمارها المستدام.
أرقام ودلالات:
من جانبه بيّن رئيس فرع الهيئة العامة لحماية وإدارة أملاك الدولة والحراج في اللاذقية علي قبعلو في تصريحه لصحيفتنا “الحرية” أنه خلال شهر آب الماضي تمت مصادرة 39,830 كيلوغراماً من الحاصلات الحراجية شملت، أحطاباً حراجية (28320) كغ، فحماً حراجياً (8010) كغ، أوراق غار (3500) كغ.
وأضاف: تم حجز 32 سيارة غير مرخصة من مديرية زراعة اللاذقية، بينها 6 سيارات محملة بأحطاب أشجار مثمرة، وحجز 13 دراجة نارية، عن شهر آب.
وتابع: تم أيضاً تنظيم 87 ضبطاً حراجياً خلال شهر آب، توزعت بين (تفحيم غير مشروع- قطع وتشويه الأشجار – حرائق …الخ)، القطع والتشويه 38 ضبطاً، مصادرة، حريق، بناء 47 ضبطاً، التفحيم ضبطان .
إجراءات قانونية
وأوضح قبعلو أن الهيئة تعتمد إجراءات صارمة، أبرزها، حجز السيارة لمدة ثلاثة أشهر لا يفك الاحتباس إلا بموجب قرار قضائي، مصادرة المادة المخالفة (حطب – فحم – غار)، تغريم المخالف بسعر الأحطاب المهربة، وفق القوانين الناظمة للحراج (القانون 39) لعام 2023، مشيراً إلى أن كل الإجراءات السابقة تتم عن طريق القضاء أصولاً.
لا رد
لكن، عند سؤالنا حول الإجراءات التي تتخذها الهيئة تحديداً للحد من الحرائق، وإشراك المجتمع المحلي استناداً إلى القانون 39 لعام 2023، لم نتلقَ أي رد من رئيس فرع الهيئة العامة لحماية وإدارة أملاك الدولة والحراج علي قبعلو حتى تاريخ إعداد التقرير.
على الورق فقط
ينص القانون رقم 39 لعام 2023 على إشراك المجتمع الأهلي في حماية الغابات وإدارتها، من خلال منح حقوق انتفاع ورعي ضمن ضوابط واضحة، بهدف الحفاظ على الاستدامة البيئية والحد من ظاهرة الاحتطاب الجائر، لكن حتى الآن، لا يزال هذا الإطار القانوني دون تطبيق فعلي ملموس، في وقت تزداد فيه الضغوط على الموارد الطبيعية، وتتكاثر الحرائق بشكل يهدد الأمن البيئي والاقتصادي في المنطقة.
مسؤولية مشتركة
بين حملات الضبط من جهة، وحاجات الناس الملحة من جهة أخرى، تبقى الغابة على المحك، ما تحتاجه اليوم ليس فقط إجراءات صارمة، بل شراكة حقيقية مع المجتمع المحلي، وتفعيل فعلي للقوانين، وتوفير بدائل واقعية للتدفئة والمعيشة، فالحرائق لا تفرق بين حطب مشروع أو مهرب، والغابة إن احترقت، تحترق معها فرص البقاء.