‏«الغارديان»: رسوم ترامب الجمركية مُدمرة ولكن هل العقوبات الغربية أفضل حالاً.. انظروا إلى ‏سوريا؟!‏

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

ترجمة وتحرير: لمى سليمان:

تحدثت صحيفة «الغارديان» البريطانية بلسان الكاتب سيمون جنكنز عن الرسوم الجمركية التي فرضتها ‏إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العالم واصفة إياها بالعقوبات الذكورية، وقال جنكنز: ‏العقوبات كشكل من أشكال العدوان الاقتصادي هي عقوبات ذكورية وقصيرة النظر، ومع ذلك فإن الدول ‏بما في ذلك المملكة المتحدة ترفض الدعوة إلى وقفها.‏

ومن بين الدول التي عاقبها ترامب بشدة الأسبوع الماضي، كانت سوريا، بفرض تعرفة جمركية بنسبة ‌‏41% رداً على دورها فيما أسماه «نهب وسلب الاقتصاد الأمريكي كرد على تلقين الشعب السوري ‏درساً لإسقاط بشار الأسد العام الماضي».‏

وتابع جنكنز: في حين تحاول الحكومة السورية الجديدة جاهدة المساعدة في حفظ النظام واستعادة الاقتصاد ‏لم تعد العقبة الرئيسية لها هي تعرفة ترامب السخيفة – التي خُفّضت الآن إلى 10%- بل في نظام ‏العقوبات الذي فرضه الغرب، بما في ذلك بريطانيا، على مدى السنوات الـ 14 سنة الماضية، إذ تحظر ‏الولايات المتحدة جميع المعاملات التجارية والمالية تقريباً، وتمتد هذه العقوبات لتشمل الشركات الأجنبية ‏المتعاملة مع الحكومة السورية، وقد استهدفت عقوبات الاتحاد الأوروبي النفط الخام والاستثمارات ‏والخدمات المصرفية والاتصالات وغيرها، وبذلك لا يمكن لأي تعرفة جمركية أن تكون بهذه الشدة.‏
وحسب جنكنز فإن التعرفات الجمركية هي عقوباتٌ بمسمى آخر، ومن النفاق أن تنتقد بريطانيا وغيرها ‏ترامب لاستخدامه أداةً استخدموها بالفعل لعقود، فالعقوبات لا تُجدي نفعاً أبداً، وهدفها هو إقناع الأنظمة ‏الاستبدادية عادةً بتغيير سياساتها أو الخضوع لضغوط خصومها الداخليين. والأدلة على قيامهم بذلك شبه ‏معدومة، فلقد أصبحت العقوبات مجرد إشاراتٍ لـ«حسن الخلق» عند السياسيين الغربيين.‏

وسوريا مثالٌ واضح، خلال «الربيع العربي» في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أرادت ‏الحكومة البريطانية، بقيادة ديفيد كاميرون، التدخل عسكرياً في سوريا، لكن الاستخبارات نبهته إلى أن ‏الأسد على وشك السقوط، فرأى أنه من الأفضل فرض عقوبات لتسريع اللحظة لكنهم فعلوا العكس!‏

ويشرح جنكنز كيف انعكس الهدف من العقوبات الغربية فيقول: سببت هذه العقوبات الغربية ضرراً ‏بالاقتصاد السوري بلا شك ولكنها لعبت دوراً في هروب ستة ملايين من الشعب إلى الخارج، بمن فيهم ‏جزء كبير من الطبقة المهنية، وبذلك فقد فرّ كل «عدوٍّ محتمل» للأسد، في حين سقط 90% من السكان ‏في براثن الفقر وترسخت سلطة الأسد، فلجأ إلى روسيا طلباً للدعم العسكري، وظلّ مطمئناً لعقد من ‏الزمان، أي إن العقوبات لم تكن هي الضربة القاضية لنظامه.‏

ويتابع جنكنز: الطلب الوحيد للقائد الجديد لسوريا، الرئيس أحمد الشرع، من الغرب كان رفع العقوبات ‏بسرعة والمساعدة في إنعاش اقتصاد البلاد المنهار، مع ذلك فقد رفض الغرب طلبه وستبقى العقوبات ‏سارية حتى يُثبت «قدرته على استعادة الاستقرار والوحدة الوطنية» حسب زعمهم، وبالرغم من أن هذا ‏الأمر كان صعباً عليه لكنه يتمتع بدعم محلي واسع.‏

في كانون الثاني، اتفق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على رفع القيود على المعاملات المصرفية والطاقة ‏وسفر السوريين. لكن الحكومات الغربية تكره رفع العقوبات لأنها تُفقدها السيطرة إلى حد ما. على الرغم من ‏أن لا أحد يهتم كون تأثيرها على السياسة معدوماً لكن الافتراض هو أنها «تضر» بالتأكيد، وستؤثر على ‏السياسة، وستُجدي نفعاً مع الوقت.‏

وحسب جنكنز فإن العقوبات حلت محل دبلوماسية البوارج الحربية كوسيلة تواصل إمبريالية جديدة في ‏القرن الحادي والعشرين كونها تُبقي بقية العالم أفقر، بل أضعف، كما يُفترض. وقد كان لدى الولايات ‏المتحدة حوالي 900 فئة من العقوبات سارية المفعول عام 2000، وهذا العام، لديها أكثر من 15,000 ‏فئة، لدى المملكة المتحدة آلاف منها في بيروقراطية تدخلية شديدة التعقيد بحيث تصفها وزارة الخارجية ‏بأنها «أداة قوية للسياسة الخارجية والأمنية» وهو ادعاء لا يستند إلى أي دليل، بل يمكننا حسب جنكيز ‏أن نسميها أداة لترسيخ الديكتاتورية وإطالة أمدها، إن أكثر الأنظمة خضوعاً للعقوبات هي من بين أطول ‏الأنظمة عمراً في التاريخ الحديث، مثل كوريا الشمالية وإيران والصين وروسيا وكوبا، فالعقوبة بمثابة ‏وسام أمان.‏

تُعد الإجراءات الاقتصادية الحالية ضد روسيا من بين الأشد والأكثر ضرراً على الإطلاق، وقد فُرضت ‏لأول مرة عام 2014 لمحاولة عكس سياسة موسكو تجاه أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، يتم تشديدها بشكل ‏شهري ومع ذلك لم يُضعف حظر الاتصال بروسيا الدعم المحلي لفلاديمير بوتين. وربما يجد ترامب ‏بعض العزاء في حقيقة أن معظم الزعماء الغربيين الذين فرضوا عليه عقوبات في عام 2022 فقدوا ‏مناصبهم منذ ذلك الحين.‏

في شهر شباط الماضي، أعلنت المملكة المتحدة عن أكبر حزمة عقوبات ضد روسيا منذ عام 2022. ‏وتضمنت 107 أوامر جديدة، مع إشارة إلى 14 من الفاسدين الجدد دون أن تشرح كيف كان من ‏المفترض أن يتم ذلك، وقد سلطت مجلة «إيكونوميست» المتشككة الضوء على عبثية هذه الإجراءات. ‏فالأداء الاقتصادي الروسي يتماشى الآن مع اتجاهه قبل الغزو، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة ‏الحقيقية بأكثر من 3% العام الماضي. ولا تزال البطالة عند أدنى مستوياتها القياسية. ولا توجد أدلة تُذكر ‏على ضائقة الشركات. إذاً فقد تفوقت روسيا على بريطانيا في الأداء منذ إعلان هذه الحرب الاقتصادية. ‏ويعود جزء من السبب على الأقل إلى الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، وهو جرحٌ ألحقه الغرب بنفسه، ‏لا يقل ضرراً عن رسوم ترامب الجمركية.‏

والسبب- أيضاً- هو أن الاقتصاد العالمي يتكيف بسلاسة استثنائية مع الوقائع الجديدة، كما هو الحال مع ‏ترامب، ولم تعنِ العقوبات المفروضة على موسكو نهاية التجارة معها، فقد ارتفعت صادرات إيران ‏النفطية إلى روسيا إلى ١٢ ضعفاً خلال السنوات الست الماضية، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى ‏مساعدة الصين. وارتفعت صادرات كازاخستان إلى روسيا من ٤٠ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٢١ إلى ‌‏٢٩٨ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٢٣، واعترفت أكثر من ١٠٠ شركة بريطانية بخرق العقوبات.‏

وفي نهاية المقال يؤكد جنكنز أن العدوان الاقتصادي الغربي فشل حتى في التأثير على سياسة بوتين في ‏أوكرانيا، والآن، يتخلى القادة الغربيون، الذين كانوا سعداء بمعاقبة الاقتصاد السوري عندما كان ذلك هو ‏التصرف «لذكوري» عن القضية السورية. لكن سوريا بحاجة ماسة إلى المساعدة لتستقر.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار