ترجمة وتحرير: لمى سليمان:
تحدثت صحيفة «الغارديان» البريطانية بلسان الكاتب سيمون جنكنز عن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العالم واصفة إياها بالعقوبات الذكورية، وقال جنكنز: العقوبات كشكل من أشكال العدوان الاقتصادي هي عقوبات ذكورية وقصيرة النظر، ومع ذلك فإن الدول بما في ذلك المملكة المتحدة ترفض الدعوة إلى وقفها.
ومن بين الدول التي عاقبها ترامب بشدة الأسبوع الماضي، كانت سوريا، بفرض تعرفة جمركية بنسبة 41% رداً على دورها فيما أسماه «نهب وسلب الاقتصاد الأمريكي كرد على تلقين الشعب السوري درساً لإسقاط بشار الأسد العام الماضي».
وتابع جنكنز: في حين تحاول الحكومة السورية الجديدة جاهدة المساعدة في حفظ النظام واستعادة الاقتصاد لم تعد العقبة الرئيسية لها هي تعرفة ترامب السخيفة – التي خُفّضت الآن إلى 10%- بل في نظام العقوبات الذي فرضه الغرب، بما في ذلك بريطانيا، على مدى السنوات الـ 14 سنة الماضية، إذ تحظر الولايات المتحدة جميع المعاملات التجارية والمالية تقريباً، وتمتد هذه العقوبات لتشمل الشركات الأجنبية المتعاملة مع الحكومة السورية، وقد استهدفت عقوبات الاتحاد الأوروبي النفط الخام والاستثمارات والخدمات المصرفية والاتصالات وغيرها، وبذلك لا يمكن لأي تعرفة جمركية أن تكون بهذه الشدة.
وحسب جنكنز فإن التعرفات الجمركية هي عقوباتٌ بمسمى آخر، ومن النفاق أن تنتقد بريطانيا وغيرها ترامب لاستخدامه أداةً استخدموها بالفعل لعقود، فالعقوبات لا تُجدي نفعاً أبداً، وهدفها هو إقناع الأنظمة الاستبدادية عادةً بتغيير سياساتها أو الخضوع لضغوط خصومها الداخليين. والأدلة على قيامهم بذلك شبه معدومة، فلقد أصبحت العقوبات مجرد إشاراتٍ لـ«حسن الخلق» عند السياسيين الغربيين.
وسوريا مثالٌ واضح، خلال «الربيع العربي» في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أرادت الحكومة البريطانية، بقيادة ديفيد كاميرون، التدخل عسكرياً في سوريا، لكن الاستخبارات نبهته إلى أن الأسد على وشك السقوط، فرأى أنه من الأفضل فرض عقوبات لتسريع اللحظة لكنهم فعلوا العكس!
ويشرح جنكنز كيف انعكس الهدف من العقوبات الغربية فيقول: سببت هذه العقوبات الغربية ضرراً بالاقتصاد السوري بلا شك ولكنها لعبت دوراً في هروب ستة ملايين من الشعب إلى الخارج، بمن فيهم جزء كبير من الطبقة المهنية، وبذلك فقد فرّ كل «عدوٍّ محتمل» للأسد، في حين سقط 90% من السكان في براثن الفقر وترسخت سلطة الأسد، فلجأ إلى روسيا طلباً للدعم العسكري، وظلّ مطمئناً لعقد من الزمان، أي إن العقوبات لم تكن هي الضربة القاضية لنظامه.
ويتابع جنكنز: الطلب الوحيد للقائد الجديد لسوريا، الرئيس أحمد الشرع، من الغرب كان رفع العقوبات بسرعة والمساعدة في إنعاش اقتصاد البلاد المنهار، مع ذلك فقد رفض الغرب طلبه وستبقى العقوبات سارية حتى يُثبت «قدرته على استعادة الاستقرار والوحدة الوطنية» حسب زعمهم، وبالرغم من أن هذا الأمر كان صعباً عليه لكنه يتمتع بدعم محلي واسع.
في كانون الثاني، اتفق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على رفع القيود على المعاملات المصرفية والطاقة وسفر السوريين. لكن الحكومات الغربية تكره رفع العقوبات لأنها تُفقدها السيطرة إلى حد ما. على الرغم من أن لا أحد يهتم كون تأثيرها على السياسة معدوماً لكن الافتراض هو أنها «تضر» بالتأكيد، وستؤثر على السياسة، وستُجدي نفعاً مع الوقت.
وحسب جنكنز فإن العقوبات حلت محل دبلوماسية البوارج الحربية كوسيلة تواصل إمبريالية جديدة في القرن الحادي والعشرين كونها تُبقي بقية العالم أفقر، بل أضعف، كما يُفترض. وقد كان لدى الولايات المتحدة حوالي 900 فئة من العقوبات سارية المفعول عام 2000، وهذا العام، لديها أكثر من 15,000 فئة، لدى المملكة المتحدة آلاف منها في بيروقراطية تدخلية شديدة التعقيد بحيث تصفها وزارة الخارجية بأنها «أداة قوية للسياسة الخارجية والأمنية» وهو ادعاء لا يستند إلى أي دليل، بل يمكننا حسب جنكيز أن نسميها أداة لترسيخ الديكتاتورية وإطالة أمدها، إن أكثر الأنظمة خضوعاً للعقوبات هي من بين أطول الأنظمة عمراً في التاريخ الحديث، مثل كوريا الشمالية وإيران والصين وروسيا وكوبا، فالعقوبة بمثابة وسام أمان.
تُعد الإجراءات الاقتصادية الحالية ضد روسيا من بين الأشد والأكثر ضرراً على الإطلاق، وقد فُرضت لأول مرة عام 2014 لمحاولة عكس سياسة موسكو تجاه أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، يتم تشديدها بشكل شهري ومع ذلك لم يُضعف حظر الاتصال بروسيا الدعم المحلي لفلاديمير بوتين. وربما يجد ترامب بعض العزاء في حقيقة أن معظم الزعماء الغربيين الذين فرضوا عليه عقوبات في عام 2022 فقدوا مناصبهم منذ ذلك الحين.
في شهر شباط الماضي، أعلنت المملكة المتحدة عن أكبر حزمة عقوبات ضد روسيا منذ عام 2022. وتضمنت 107 أوامر جديدة، مع إشارة إلى 14 من الفاسدين الجدد دون أن تشرح كيف كان من المفترض أن يتم ذلك، وقد سلطت مجلة «إيكونوميست» المتشككة الضوء على عبثية هذه الإجراءات. فالأداء الاقتصادي الروسي يتماشى الآن مع اتجاهه قبل الغزو، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية بأكثر من 3% العام الماضي. ولا تزال البطالة عند أدنى مستوياتها القياسية. ولا توجد أدلة تُذكر على ضائقة الشركات. إذاً فقد تفوقت روسيا على بريطانيا في الأداء منذ إعلان هذه الحرب الاقتصادية. ويعود جزء من السبب على الأقل إلى الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، وهو جرحٌ ألحقه الغرب بنفسه، لا يقل ضرراً عن رسوم ترامب الجمركية.
والسبب- أيضاً- هو أن الاقتصاد العالمي يتكيف بسلاسة استثنائية مع الوقائع الجديدة، كما هو الحال مع ترامب، ولم تعنِ العقوبات المفروضة على موسكو نهاية التجارة معها، فقد ارتفعت صادرات إيران النفطية إلى روسيا إلى ١٢ ضعفاً خلال السنوات الست الماضية، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى مساعدة الصين. وارتفعت صادرات كازاخستان إلى روسيا من ٤٠ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٢١ إلى ٢٩٨ مليون دولار أمريكي عام ٢٠٢٣، واعترفت أكثر من ١٠٠ شركة بريطانية بخرق العقوبات.
وفي نهاية المقال يؤكد جنكنز أن العدوان الاقتصادي الغربي فشل حتى في التأثير على سياسة بوتين في أوكرانيا، والآن، يتخلى القادة الغربيون، الذين كانوا سعداء بمعاقبة الاقتصاد السوري عندما كان ذلك هو التصرف «لذكوري» عن القضية السورية. لكن سوريا بحاجة ماسة إلى المساعدة لتستقر.