‏«الغارديان»: على عكس توقّعات ترامب دول الخليج تُملي السياسة الخارجية الأمريكية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- ترجمة وتحرير: لمى سليمان

يتوجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقاء زعماء المنطقة في الخليج مواجهاً واقعاً غير مريح يشير إلى أنه ‏سيحتاجهم أكثر مما يحتاجونه.‏

وقد اعتاد ترامب على تحقيق مراده، الأمر الذي قد يتغير الأسبوع المقبل عندما يواجه الفوضى بنفسه ‏التي يُحدثها في الشرق الأوسط، مع بدء رحلته التي تستغرق ثلاثة أيام إلى المملكة العربية السعودية ‏والإمارات العربية المتحدة وقطر، سيُطلق الرئيس الأمريكي وعوداً عظيمة كعادته، ولكنه واهم هذه المرة ‏والحقيقة هي أن السياسات الإقليمية الأمريكية المتهورة وغير المتماسكة والمهملة تفشل في جميع ‏المجالات وهناك حاجة ماسة إلى تصحيح جذري للمسار.‏

وحسب مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية فإن قادة الخليج يتمتعون بنفوذ كبير لتصحيح مسار ‏ترامب، إذا ما قرروا استخدامه، فهو يعتمد عليهم بدرجة غير مسبوقة – أكثر بكثير من اعتماده على ‏أوروبا – كمحاورين دبلوماسيين وشركاء أمنيين وداعمين ماليين، إن نهجه تجاه فلسطين المقبلة على نكبة ‏ثانية، هو عبارة عن مزيج من التعصب والقسوة والجهل المطبق، ومن دون مساعدة عربية، تقول الصحيفة: ‏ستبقى الولايات المتحدة وإسرائيل عالقتين إلى أجل غير مسمى في طريق مسدود مدمر سياسياً.‏

وحسب الصحيفة فإن ترامب يعلم أنه لا يستطيع تجاهل آراء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ‏ونظرائه الخليجيين بشأن غزة وسوريا واليمن، فهم يعارضون الحرب مع إيران، كما هددت الولايات ‏المتحدة وإسرائيل سابقاً، كما يحتاجهم ترامب كحلفاء في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين، وقد ‏استضاف دبلوماسيون خليجيون محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا التي روّج لها شخصياً، إنه يسعى ‏جاهداً للحفاظ على انخفاض أسعار النفط و يطمح إلى صفقات استثمارية بمليارات الدولارات في الشرق ‏الأوسط ومبيعات أسلحة.‏

ومع ذلك، فإن دعم الخليج له ثمن وفق الصحيفة البريطانية، فعلى سبيل المثال يأمل ترامب في تمديد ما ‏يسمى باتفاقات إبراهيم من خلال تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وبطبيعة الحال فإن أياً كان ما ‏يقوله ترامب، فإن سلمان يتعهد بأن هذا التمديد لا يمكن أن يحدث من دون ضمان التقدم نحو دولة فلسطينية ‏مستقلة – وهو احتمال تمقته حكومة «إسرائيل» فقد وصف سلمان مقتل أكثر من 52 ألف فلسطيني في ‏غزة بعد 7 أكتوبر بأنه «إبادة جماعية». ‏

وبالطبع فإن ترامب سيواجه ضغوطًا شديدة في الرياض لإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة فرض وقف ‏إطلاق النار.‏

وتابعت الصحيفة: تشهد العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا توتراً متزايداً، إذ رفض ترامب حتى الآن ‏دعوات لإضافة القدس إلى جدول زيارته من دون اكتراث منه لتأثير ذلك على الرهائن الإسرائيليين الناجين ‏لدى حماس، ولكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يخطط وحلفاؤه من اليمين المتطرف، ‏لاحتلال عسكري طويل الأمد لغزة وطرد جماعي للفلسطينيين، ومع ذلك، فبينما كان ترامب داعماً قبل ‏شهرين، متحدثاً عن بناء «ريفييرا الشرق الأوسط»، يبدو أنه قد أدرك متأخراً أن السلام لا يمكن تحقيقه ‏بهذه الطريقة.‏

أما نتنياهو، الذي يواصل حث الولايات المتحدة على الانضمام إلى إسرائيل في عمل عسكري ضد إيران ‏هذا العام، فوجئ بإعلان ترامب المفاجئ الشهر الماضي عن محادثات مع طهران بشأن برنامجها ‏النووي. كما فاجأ تراجع ترامب المفاجئ الأسبوع الماضي، بإنهاء الغارات الجوية الأمريكية على اليمن، ‏إسرائيل التي تواصل قصف المقاتلين الحوثيين، ويأتي كلا التحولين في السياسة، وتغير نبرة ترامب تجاه ‏غزة، كنتيجة لضغط خليجي فعال.‏

يريد القادة العرب، وبدعم من تركيا، من ترامب أيضاً كبح العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وفي ‏سوريا بشكل خاص، التي هاجمتها إسرائيل مراراً وتكراراً منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون ‏الأول الماضي، إذ تُفضّل جميع الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي التعامل مع الرئيس ‏السوري أحمد الشرع وحكومته.‏

ويركز الرئيس السوري أحمد الشرع على إعادة توحيد بلاده الممزقة، وقد أسفرت زياراته الرائدة إلى ‏المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن عروض سخية لمساعدات إعادة الإعمار، ‏ومع ذلك فقد رفض ترامب، على عكس بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تخفيف العقوبات المفروضة منذ ‏عهد الأسد، وهذا الخطأ الفادح يعوق آمال السوريين في بداية جديدة. ‏

وإذا أراد ترامب ضمان دعم الخليج لأجندته الأوسع، فعليه تقديم شيء مهم في مقابل ذلك، وقد يكون ذلك ‏إحياءً للاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي لعام ٢٠١٥ مع إيران «الذي تراجع عنه عبثاً عام ٢٠١٨»- ‏مع ضمان عدم إشعال نتنياهو والمتشددين في طهران حرباً أخرى، قد يُقدم ترامب على هذه الخطوة ‏الجريئة فهو يدّعي أنه «رئيس السلام» وهذه فرصة لإثبات ذلك.‏

وكما ترى الصحيفة, فإن اتباع نهج أمريكي أكثر استنارة تجاه غزة وسوريا قد يخدم أيضاً أهداف ترامب ‏الأخرى: كخفض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمارات الخليجية في الشركات والوظائف الأمريكية، وتُعدّ ‏المواقف السعودية محورية لكليهما. وقد يُهدئ التخفيض المستمر لأسعار البنزين ناخبي ترامب ‏المُحبطين، ويُساعد في ترويض التضخم الأمريكي. في كانون الثاني، طرح الملك سلمان صفقة استثمار ‏أمريكية بقيمة 600 مليار دولار (450 مليار جنيه إسترليني) لمدة أربع سنوات، وقد يتبع ذلك المزيد.‏

وتتسائل الصحيفة: هل تكون هذه «الجزرة الكبيرة» هي السبب الرئيسي لاختيار ترامب للمملكة العربية ‏السعودية في أول زيارة رسمية له بعد تنصيبه، كما فعل في عام 2017؟ إذ تُعدّ الاتفاقية الأمنية ‏الأمريكية – السعودية المُقترحة إغراءً إضافياً، مع حزمة أسلحة أولية بقيمة 100 مليار دولار للرياض ‏قيد الإعداد بالفعل.‏

وتختم الغارديان البريطانية مقالها بالتأكيد على أن اتساع نفوذ دول الخليج حقيقة لا مفر منها في الحياة ‏الجيوسياسية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، مشيرة إلى أنه لو كان ترامب رجلاً أكثر شجاعةً ‏وصدقاً، لذهب إلى غزة الأسبوع المُقبل ليرى بنفسه الدمار الذي ألحقه هو وحلفاؤه من اليمين المتطرف, ‏لكنه لن يفعل ذلك لأنه من المعروف أن ترامب ليس رجلاً نبيلاً. ولا حتى رجل دولة.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار