الحرية- ترجمة وتحرير: لمى سليمان
يتوجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقاء زعماء المنطقة في الخليج مواجهاً واقعاً غير مريح يشير إلى أنه سيحتاجهم أكثر مما يحتاجونه.
وقد اعتاد ترامب على تحقيق مراده، الأمر الذي قد يتغير الأسبوع المقبل عندما يواجه الفوضى بنفسه التي يُحدثها في الشرق الأوسط، مع بدء رحلته التي تستغرق ثلاثة أيام إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، سيُطلق الرئيس الأمريكي وعوداً عظيمة كعادته، ولكنه واهم هذه المرة والحقيقة هي أن السياسات الإقليمية الأمريكية المتهورة وغير المتماسكة والمهملة تفشل في جميع المجالات وهناك حاجة ماسة إلى تصحيح جذري للمسار.
وحسب مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية فإن قادة الخليج يتمتعون بنفوذ كبير لتصحيح مسار ترامب، إذا ما قرروا استخدامه، فهو يعتمد عليهم بدرجة غير مسبوقة – أكثر بكثير من اعتماده على أوروبا – كمحاورين دبلوماسيين وشركاء أمنيين وداعمين ماليين، إن نهجه تجاه فلسطين المقبلة على نكبة ثانية، هو عبارة عن مزيج من التعصب والقسوة والجهل المطبق، ومن دون مساعدة عربية، تقول الصحيفة: ستبقى الولايات المتحدة وإسرائيل عالقتين إلى أجل غير مسمى في طريق مسدود مدمر سياسياً.
وحسب الصحيفة فإن ترامب يعلم أنه لا يستطيع تجاهل آراء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونظرائه الخليجيين بشأن غزة وسوريا واليمن، فهم يعارضون الحرب مع إيران، كما هددت الولايات المتحدة وإسرائيل سابقاً، كما يحتاجهم ترامب كحلفاء في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين، وقد استضاف دبلوماسيون خليجيون محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا التي روّج لها شخصياً، إنه يسعى جاهداً للحفاظ على انخفاض أسعار النفط و يطمح إلى صفقات استثمارية بمليارات الدولارات في الشرق الأوسط ومبيعات أسلحة.
ومع ذلك، فإن دعم الخليج له ثمن وفق الصحيفة البريطانية، فعلى سبيل المثال يأمل ترامب في تمديد ما يسمى باتفاقات إبراهيم من خلال تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وبطبيعة الحال فإن أياً كان ما يقوله ترامب، فإن سلمان يتعهد بأن هذا التمديد لا يمكن أن يحدث من دون ضمان التقدم نحو دولة فلسطينية مستقلة – وهو احتمال تمقته حكومة «إسرائيل» فقد وصف سلمان مقتل أكثر من 52 ألف فلسطيني في غزة بعد 7 أكتوبر بأنه «إبادة جماعية».
وبالطبع فإن ترامب سيواجه ضغوطًا شديدة في الرياض لإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة فرض وقف إطلاق النار.
وتابعت الصحيفة: تشهد العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا توتراً متزايداً، إذ رفض ترامب حتى الآن دعوات لإضافة القدس إلى جدول زيارته من دون اكتراث منه لتأثير ذلك على الرهائن الإسرائيليين الناجين لدى حماس، ولكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يخطط وحلفاؤه من اليمين المتطرف، لاحتلال عسكري طويل الأمد لغزة وطرد جماعي للفلسطينيين، ومع ذلك، فبينما كان ترامب داعماً قبل شهرين، متحدثاً عن بناء «ريفييرا الشرق الأوسط»، يبدو أنه قد أدرك متأخراً أن السلام لا يمكن تحقيقه بهذه الطريقة.
أما نتنياهو، الذي يواصل حث الولايات المتحدة على الانضمام إلى إسرائيل في عمل عسكري ضد إيران هذا العام، فوجئ بإعلان ترامب المفاجئ الشهر الماضي عن محادثات مع طهران بشأن برنامجها النووي. كما فاجأ تراجع ترامب المفاجئ الأسبوع الماضي، بإنهاء الغارات الجوية الأمريكية على اليمن، إسرائيل التي تواصل قصف المقاتلين الحوثيين، ويأتي كلا التحولين في السياسة، وتغير نبرة ترامب تجاه غزة، كنتيجة لضغط خليجي فعال.
يريد القادة العرب، وبدعم من تركيا، من ترامب أيضاً كبح العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وفي سوريا بشكل خاص، التي هاجمتها إسرائيل مراراً وتكراراً منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول الماضي، إذ تُفضّل جميع الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي التعامل مع الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته.
ويركز الرئيس السوري أحمد الشرع على إعادة توحيد بلاده الممزقة، وقد أسفرت زياراته الرائدة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن عروض سخية لمساعدات إعادة الإعمار، ومع ذلك فقد رفض ترامب، على عكس بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تخفيف العقوبات المفروضة منذ عهد الأسد، وهذا الخطأ الفادح يعوق آمال السوريين في بداية جديدة.
وإذا أراد ترامب ضمان دعم الخليج لأجندته الأوسع، فعليه تقديم شيء مهم في مقابل ذلك، وقد يكون ذلك إحياءً للاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي لعام ٢٠١٥ مع إيران «الذي تراجع عنه عبثاً عام ٢٠١٨»- مع ضمان عدم إشعال نتنياهو والمتشددين في طهران حرباً أخرى، قد يُقدم ترامب على هذه الخطوة الجريئة فهو يدّعي أنه «رئيس السلام» وهذه فرصة لإثبات ذلك.
وكما ترى الصحيفة, فإن اتباع نهج أمريكي أكثر استنارة تجاه غزة وسوريا قد يخدم أيضاً أهداف ترامب الأخرى: كخفض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمارات الخليجية في الشركات والوظائف الأمريكية، وتُعدّ المواقف السعودية محورية لكليهما. وقد يُهدئ التخفيض المستمر لأسعار البنزين ناخبي ترامب المُحبطين، ويُساعد في ترويض التضخم الأمريكي. في كانون الثاني، طرح الملك سلمان صفقة استثمار أمريكية بقيمة 600 مليار دولار (450 مليار جنيه إسترليني) لمدة أربع سنوات، وقد يتبع ذلك المزيد.
وتتسائل الصحيفة: هل تكون هذه «الجزرة الكبيرة» هي السبب الرئيسي لاختيار ترامب للمملكة العربية السعودية في أول زيارة رسمية له بعد تنصيبه، كما فعل في عام 2017؟ إذ تُعدّ الاتفاقية الأمنية الأمريكية – السعودية المُقترحة إغراءً إضافياً، مع حزمة أسلحة أولية بقيمة 100 مليار دولار للرياض قيد الإعداد بالفعل.
وتختم الغارديان البريطانية مقالها بالتأكيد على أن اتساع نفوذ دول الخليج حقيقة لا مفر منها في الحياة الجيوسياسية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، مشيرة إلى أنه لو كان ترامب رجلاً أكثر شجاعةً وصدقاً، لذهب إلى غزة الأسبوع المُقبل ليرى بنفسه الدمار الذي ألحقه هو وحلفاؤه من اليمين المتطرف, لكنه لن يفعل ذلك لأنه من المعروف أن ترامب ليس رجلاً نبيلاً. ولا حتى رجل دولة.