الفسيفساء السورية رافعة تاريخية للغنى الحضاري والثقافي

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:
عرفت سوريا عبر التاريخ بالنسيج السوري المتنوع الذي لطالما شكّل فسيفساءً فريدة من نوعها في الشرق الأوسط، هذا النسيج بات مهدداً بالتفكك والانقسام الطائفي والعرقي نتيجة الحرب، التدخلات الخارجية والانقسامات المجتمعية. واليوم وأكثر من أي وقت مضى تبدو الحاجة إلى ترسيخ السلم الأهلي والحفاظ على وحدة الوطن السوري ضرورةً وجودية تتجاوز الشعارات لتصبح خياراً إستراتيجياً نحو بناء الدولة والنجاة من شبح التقسيم.

ما هو السلم الأهلي؟

تعرف الدكتورة أماني شعيب من قسم الاجتماع بجامعة دمشق السلم الأهلي هو حالة من التعايش المجتمعي بين مختلف مكونات الشعب، تقوم على الاحترام المتبادل، ونبذ العنف وقبول الآخر وإدارة الخلاف بوسائل سلمية وقانونية.
وهو لا يعني غياب النزاع أو الاختلاف بل القدرة على احتوائه ضمن أطر قانونية ومؤسساتية عادلة.
وأضافت فيما يتعلق بالحالة السورية: يتطلب السلم الأهلي اعترافًا حقيقياً بالتعددية القومية والدينية والمذهبية وتوفير الضمانات لكل المكونات من دون تمييز بما يضمن مشاركتها في بناء الدولة الوطنية الجامعة.

ثروة لا عبء

سوريا بلد متنوع إثنياً ودينياً؛ عرب، أكراد، سريان، آشوريون، شركس، أرمن، ودروز إلى جانب السنة والعلويين والمسيحيين والإسماعيليين وغيرهم، حسب شعيب، هذه الفسيفساء ليست مصدر ضعف كما يُروَّج أحياناً بل رافعة تاريخية للغنى الحضاري والثقافي لسوريا.
ومع ذلك، فإن الصراع الدموي زعزع هذا التوازن حيث استُخدمت الهويات الفرعية كأدوات سياسية، وغُذّيت النزاعات المذهبية والعرقية من أطراف داخلية وخارجية ما هدد النسيج الوطني ودفع بعض المناطق إلى الانكفاء على ذاتها، في مشهد يقترب من نموذج التقسيم غير المعلن.

السلم الأهلي كحائط صد أمام التقسيم

وأشارت إلى أن السلم الأهلي هو الدرع الأول ضد التقسيم، وركيزة لأي مشروع إعادة إعمار سياسي واجتماعي. ولتحقيقه، لا بدّ من مصالحة وطنية شاملة تقوم على العدالة الانتقالية والمحاسبة، لا على المحاصصة أو الصفقات.
وإعادة بناء الثقة بين المكونات السورية عبر الاعتراف المتبادل والاحترام المتساوي للحقوق. وتعزيز الهوية السورية الجامعة، مع احترام الخصوصيات الثقافية والدينية، من دون إقصاء أو هيمنة منوهة بدور الاعلام في نشر ثقافة الحوار ونبذ الكراهية وإقرار دستور جديد يُقرّ بالتعددية ويفصل بين السلطات ويضمن المساواة.
وختمت شعيب بالقول إنّ الحفاظ على السلم الأهلي في سوريا هو معركة وعي قبل أن يكون مشروعاً سياسياً، هو استثمار في المستقبل في أجيال لم تعرف من الوطن إلّا الحرب. وفي ظل تعاظم مشاريع الهيمنة والتقسيم، تبقى الفسيفساء السورية أمانة وطنية لا يجوز العبث بها. فإما أن نحيا بوطن واحد متعدد، أو نغرق في دويلات متناحرة تُفقد سوريا جوهرها ودورها التاريخي.

Leave a Comment
آخر الأخبار