ناظم عيد – رئيس التحرير:
باتت سوريا على أبواب انعطافات واجبة على الرغم من أنها حادّة، وهي استحقاقات استدراك سريع لأخطاء وسياسات اقتصادية خاطئة وخطيرة..أخطر ما فيها أنها استمرت طويلاً وكانت أحادية الرؤى لا تشاركية وغير ذي شعبية حتى في أوساط أصحاب الفكر ومنظري الاقتصاد.
على مستوى محاولات الاستدراك الجريء.. لم يكن نداء أحد مستشاري وزير الاقتصاد والصناعة الجدد، الأول من نوعه في سياق العصف الذهني بحثاً عن مخارج من دوامة ” الفقر السوري” والانهيار الاقتصادي، في بلد يوصف بأنه الأغنى عربياً بتنوّع موارده، لكن ارتكاسات عميقة عصفت به على مستوى إدارة الموارد، بل و تعسّف في الإدارة و ” رفس النعمة” على مرّ عقود طويلة، أفضت إلى مشهد تكتظ فيه كل مؤشرات الوهن الاقتصادي بامتداداته الاجتماعية المتشعّبة.
لم يجترح المستشار حلولاً غير تقليدية، بل طلب تفعيل كل ما يمكن تفعيله في سياق الاستثمار المجدي للموارد في هذه البلاد الزاخرة.. وقد تكون الإشارة الأهم التي أطلقها تلك التي تتعلّق بالسماح بإقامة المشروعات على اختلافها خارج المدن والمناطق الصناعية، و إطلاقها في الأرياف السورية كلها ومن دون أي تحفظات، وفي ذلك كسر لقيود كارثية تم فرضها على التنمية في سوريا من خلال منع أي شكل من أشكال الاستثمار خارج المدن والمناطق الصناعية، فكانت النتيجة لجم للحراك التنموي، و تركيزه في مضمارات ضيقة حرمت ملايين السوريين من فرص العمل والاستفادة من الميزات النسبية في كل منطقة.. بل وتحوّلت الأرياف إلى بقايا أمكنة يحتفظ فيها قاطنوها ببقايا صور عن زمن البحبوحة والانتعاش، ولعلّ الهجرة إلى المدن كانت أبلغ إشارة إلى الخطأ الحاصل في مكان ما، لكنّ أحداً لم يكترث لنتائج إقصاء الريف بكل موارده عن التنمية بمختلف أوجهها “تصنيع زراعي..قيم مضافة مختلفة..تجارة..خدمات”..وبالطبع كان الفقر والبطالة و كل المرادفات البغيضة لهاتين الظاهرتين العدو الناهض بقوّة في مواجهة أبناء هذا البلد الذين لم يعرفوا الجوع يوماً في بيئة حافلة بالخيرات.
في بلدنا ما يعرفه الاقتصاديون ” الميزات النسبية”..في خصائص أقاليم – إن صحت التسمية – يزخر بها المضمار السوري، والحقيقة علينا الاعتراف أن جلّها زراعي بتفرعاته المختلفة بين النباتي والحيواني، ولعل في هذا القطاع من فرص كامنة ما يعد بالقضاء مطلقاً على الفقر، وتحقيق قفزات تنموية مديدة وغير مسبوقة، إن توفرت الإرادة والإدارة الصحيحة لهذا القطاع، و نجحت الحكومة الجديدة بنشر ورشات ومنشآت التصنيع الغذائي بالكثافة والاحترافية التي يتطلبها، وهنا نظن أن كثيرين سيوافقوننا الرأي بأن المنتجات السورية الغذائية ستغزو أسواق المجال العربي.. بل وطيف غير قليل من أسواق هذا العالم، فتخيلوا مثلاً لو أننا نخرج بمنتج اسمه “مرتديلا العواس السوري..أو مرتديلا الدجاج البلدي السوري”..وسلسلة أخرى من المنتجات الغذائية التي تقوم على تعليب وتغليف الخضار والفواكه السورية التي تراجعت زراعتها بسبب الكساد والعجز عن التصدير الفعّال.
لن نسترسل في سرد الأمثلة.. فهذه مهمة مختصين ودارسين ثم مستثمرين.. لكن حرام وعيب أن تبقى هذه البلاد منزوعة الدسم ومعطّلة الموارد ومهدورة الإمكانات بسبب سياسات خاطئة درجت عليها الحكومات المتوالية على المقصورة التنفيذية، من دون معرفة الأسباب إلا ما يجري تداوله حول تمهيد الأرضية لحالة استهلاكية بغيضة تستوعب ما يستورده ” الامتيازيون” الذين حوّلوا البلاد إلى سوق استهلاكية شرهة لكل ما ينتجه الآخر.
الفقر تهمة في هذا البلد «الغني»

Leave a Comment
Leave a Comment