حوار : حنان علي:
فنانٌ وناقدٌ تشكيلي ومؤرخ موسيقي بارز، قدّم إسهامات هامة في عالم الفن والأدب على مدار عقود طويلة. وُلد أديب مخزوم في بيئة ريفية، حيث واجه تحديات تتعلق بشغفه بالفنون وسط مجتمع بسيط، إلا أنه تمكّن من مواصلة مسيرته الإبداعية مصراً على تكريس البحث والتحليل والنقد الفني. ومن خلال متابعته الحثيثة للفنون في لبنان وسوريا، استطاع مخزوم أن يجمع بين التشكيل والموسيقا بانسجام وفاعلية كبيرة.
التقت صحفية (الحرية) بالفنان المتعدد وكان لنا معه هذا الحوار:
بدايات فنية
* كيف تصف تجربتك في عالم الفن والأدب منذ أيام الطفولة؟
** منذ أيام حداثتي كنت أتابع المجلات والصحف والأقنية التلفزيونية اللبنانية ، وكانت الصحافة اللبنانية مدرسة كبيرة بالنسبة لي، لأنني اكتسبت منها الكثير من الخبرة المهنية ، على صعيد تطوير النص التحليلي والنقدي. وبيروت هي التي وفرت لي الأرضية الثقافية لأنتج النقد التشكيلي: كتب ودراسات ومقالات، ومنها كانت انطلاقتي الفعلية عبر صحيفة السفير، ذلك رغم إقامتي في دمشق، وعملي في الصحافة المحلية والعربية على مدى نصف قرن .
كتب ومخطوطات
* ما الذي ألهمك لكتابة كتابك الموسوعي ( تيارات الحداثة في التشكيل السوري ).. وما هي الرسالة التي تأمل أن تصل إلى القراء من خلاله؟
** كتابي الموسوعي والنقدي والمرجعي ( تيارات الحداثة في التشكيل السوري ) جاء كثمرة وخلاصة عقود من المتابعة والتقصي والبحث والكتابة في الصحافة الورقية عن المعارض التي كانت تقام في دمشق، أي أنه تضمن أهم المقالات التي كنت قد نشرتها خلال أكثر من عقدين ونصف العقد ( صدر في مطلع عام 2010) وهو من الحجم الكبير، مربع الشكل ، طباعة أنيقة وفاخرة ، ورق مصقول وبالألوان، وتجليد فني ، ولقد وثقت فيه لـ 100 سنة من الفن التشكيلي السوري الحديث والمعاصر . وجاء بمبادرة فردية مني، وبتعاون كلي مع الناشر المهندس المعماري باسم حلواني الذي آمن بمشروعي، معتبراً الفن التشكيلي جزءاً من العمارة، ولقد حاز الكتاب على قبول وإعجاب وتقدير كبار الفنانين والمتابعين والمهتمين في سورية والخارج، كونه يعطي صورة حقيقية عن الفن التشكيلي السوري. لقد كتبت مقالات عديدة وكل الآراء المنشورة كانت إيجابية، وهو موجود في مكتبات كليات الفنون الجميلة كمرجع أساسي لطلاب الدراسات العليا .
* ما أهم الموضوعات التي تناولتها مخطوطات كتبك: المناخ اللوني في اللوحة السورية المعاصرة وجدل الموسيقا والغناء؟
** لقد ألقيت محاضرة ونشرت ملفاً في مجلة الحياة التشكيلية تحت عنوان: المناخ اللوني في اللوحة السورية المعاصرة وتشعبات هذه الدراسة وتأويلاتها المطولة سأنشرها في كتاب يحمل العنوان ذاته. كما أنجزت مخطوطاً يتضمن أهم الحوارات، التي أجريتها مع بعض كبار رموز الموسيقا والغناء وفي مقدمتهم ( مطرب المطربين وديع الصافي، والأسطورة صباح، وصناجة الغناء صباح فخري وغيرهم) حيث نشرت حواراتي المطولة معهم في صفحات كاملة بالجرائد الورقية .
تحديات
* ما هي أبرز التحديات التي واجهتك ككاتب وفنان في مسيرتك المهنية؟
** التحديات كانت كثيرة، بدأت منذ طفولتي الأولى حين وجدت نفسي في واقع ريفي طيني لا يولي الفن أدنى اهتمام، وبدلا من رعاية موهبتي وعشقي للفن ، كنت أواجه بسخرية وتهكم بنسبة كبيرة، فقط لأنني أردت ومنذ البداية ، أن أكون متفرداً في توجهاتي بالرسم ثم بالكتابة النقدية التشكيلية والموسيقية، خارج مجتمع القطيع.
* كيف تمكنت من خلق التوازن بين اهتماماتك المتعددة في الفن التشكيلي والنقد والموسيقا ؟
** أجد نفسي في التشكيل والموسيقا والنقد على حد سواء، انطلاقاً من مقولة لبول كلي: ” يجب أن نعوّد العين على الإنصات الى اللوحة ” .. وثقافة العين (ولا سيما المتعلقة بالموسيقا البصرية، أي الموسيقا المقروءة بالعين والتي تحددها فروقات لونية وخطية شديدة الحساسية) لا تتعمق إلا من خلال تربيتها على الرؤية السليمة، واللغة التشكيلية المعاصرة تمتلك القدرة على امتصاص رحيق المعرفة المتجددة والمتفاعلة مع ثقافة فنون العصر. وفي مقدمتها ثقافة توءمة الفن التشكيلي بالفن الموسيقي . وفي الواقع لا تكاد توجد حدود تتوقف عندها الحساسية البصرية والحساسية السمعية، خاصة عند الذين استطاعوا التحرر من أميتهم البصرية والسمعية على حد سواء .
معارض فنية
* كيف كانت تجربتك في إقامة المعارض الفنية ، وخاصة تلك التي تتعلق بفريد الأطرش؟
** لقد خضت غمار تجربة فنية طويلة، ورسمت آلاف اللوحات، التي حاولت من خلالها تجسيد تداعيات أحلامي، ضمن صياغات متفاوتة بين الواقعية والانطباعية والتعبيرية والتجريدية المشحونة بغنائية اللمسة اللونية العفوية والتلقائية.
أقمت ستة معارض تشكيلية فردية بين عامي 2017و 2024. كما أقمت ستة معارض موسيقية تكريمية، بينها ثلاثة معارض لموسيقار الأزمان فريد الأطرش، الدي أحب أغانيه وألحانه، وأحتفظ بأرشيفه من أيام طفولتي، أي عمر أرشيفه من عمري .
رؤية وأثر
* كيف تؤثر تجاربك الشخصية في الفن والموسيقا على كتاباتك النقدية؟
** نتج عن كتاباتي المستمرة والمتواصلة دون توقف أو انقطاع ، كتابي الموسوعي والنقدي ( تيارات الحداثة في التشكيل السوري )، ومجموعة شعرية نثرية ، وخمسة كتب قيد الطبع عن التشكيل والموسيقا، انطلاقاً من مقولة الفنان العالمي بول كلي: “من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقا”.
* ما هي رؤيتك لمستقبل الفن التشكيلي في سوريا ؟
** حالياً لا نعلم كيف ستكون عليه صورة الفن المحلي، خاصة وأن المراكز الثقافية لاتزال متوقفة مند سقوط النظام السابق، ما فتئ الفن التشكيلي السوري غنياً ومتقدماً ومتطوراً، رغم أنه تابع للفن الغربي وليس متبوعاً.