الحرية – ميسون شباني:
يُعتبر سبهان آدم أحد الأسماء اللامعة في عالم الفن التشكيلي السوري، ففنه لا يتقيد بالمسارات التقليدية التي يتبعها غالبية الفنانين، فهو فنان تمرد على القواعد والإيديولوجيات السائدة، وأثرى المشهد الفني بلوحات لا تقتصر على الجمال البصري فحسب، بل تعكس معاناة الإنسان المعاصر والصراعات الداخلية التي يُعايشها. فنه ليس مجرد محاولة لتقديم الجمال، بل هو صورة حيّة لصراعٍ عميق بين الأمل والواقع المظلم، بين الألم والتفاؤل، بين الإنسان والعالم من حوله.
يُشكّل سبهان أدم عبر لوحاته رؤية خاصة بين الإنسان والواقع، بين البشاعة والأنوثة، بين الجحيم والفضاء الرحب الذي يسعى إلى رسمه، أعماله لا تعرف حدوداً تقليدية، حيث تنبض بمعاناة كائنات هجينة، تتداخل فيها الوجوه والأجساد، وتنزع عنها أية مرجعيات تاريخية أو ثقافية واضحة، هي محض رؤية نفسية وفنية غارقة في سواد العدم، وفي فوضى كونية لامتناهية..

خروج عن المألوف منذ اللحظة الأولى…
منذ بداية مسيرته الفنية في عام 1988، اختار سبهان آدم أن يسير في درب مختلف عن باقي الفنانين، فهو لا يرى في الفن مجرد وسيلة للتعبير البصري أو لمحاكاة الواقع، بل مرآة تعكس أعماق الوجدان البشري، وقد أكد آدم مراراً وتكراراً أنه لا يرسم من أجل إرضاء الجمهور أو المجتمع. حيث يقول: “لدي صراعاتي الداخلية وثراء في عالمي الداخلي”، وهو ما يظهر بشكلٍ جلّي في أعماله، حيث تغلب الصراعات الوجودية والتمزقات النفسية على أسلوبه الفني.
بين الضوء والظلام
في لوحات سبهان آدم، تتداخل الألوان الحادة والداكنة مع الأسطح الرمادية، ليعكس بذلك حالة من العزلة والفوضى الداخلية التي تسكنه.ط، أعماله ليست مجرد صور تزيينية بل هي تجسيد حي لألمه الداخلي، وللحالة النفسية التي يمر بها، وبينما يتسّم الكثير من أعماله بالظلامية، فإن هناك دائماً محاولات لإضاءة هذه الظلمة بألوان زاهية، هذه الألوان، التي يُحسن آدم استخدامها، تظهر كإشارات صغيرة لأملٍ خفي في قلب عالمٍ مملوء بالتشاؤم والقلق.
بين البراءة والتمرد الفني…
في عالمه تبرز الطفولة كعنصر رمزي عميق، وهي تبدو أحياناً كعنصر مدهش وسط هذا الحزن والفوضى، الألوان الطفولية الزاهية، مثل الفوشيا والأزرق الفاتح، تظهر في أعماله كلمسات عفوية تُخفف من حدة اللوحات المظلمة وتُذكّر بالنقاء والبراءة التي يراها آدم مفقودة في الواقع المعاصر.
ويؤكد آدم أن الطفولة ليست مجرد رمز للبراءة البسيطة، بل هي لحظة من الضعف والفوضى، تلك اللحظة التي يمكن أن تتحول إلى قسوة في عالم مليء بالتحديات، ويضيف: إن الطفولة- رغم براءتها- تواجه صراعاً مستمراً مع عالم لا يرحم، والطفولة حسب رأيه ليست كما يراها الآخرون، بل هي حالة من العجز والتساؤل المستمر، حيث تحاكي تلك اللحظات البرئية الأبعاد المظلمة التي يحاول الفنان فهمها واحتواءها في لوحاته، ويقول أدم إن هذه الألوان الطفولية هي جزء من “التجربة الفنية المتهورة”، وتمثل لحظات من الأمل أو البراءة وسط فوضى عالمه النفسي، وبينما يمكن أن تكون هذه اللحظات بعيدة عن الواقع، فإنها تبقى تعبيراً عن الأمل المستتر، الذي رغم صعوبة الوصول إليه، لا يزال جزءاً من عالمه الفني.
الفن كمعركة شخصية..
ويشير أدم إلى أن لوحاته ليست مجرد ترف بصري أو إنتاج فني يلتزم بالمعايير التقليدية، بل هي بمثابة ساحة معركة بينه وبين ذاته، هو لا يختار الألوان والمفردات الفنية لمجرد الجمال، بل لأنها تعكس صراعاته الشخصية وعلاقته بالعالم.ط، ويركز ٱدم على أن اللوحات التي تتضمن وجوهاً مشوهة، تجسد معاناته النفسية، وتختزل الصراع الداخلي بين الخوف والضعف والهشاشة، هذه الوجوه رغم أنها تبدو مفككة أو محطمة فهي تجسيد للألم والتشظي الذي يعانيه، وهي دعوة للتفكير في التموجات النفسية العميقة التي يعيشها الإنسان المعاصر.
صراع الفن والمكان..
رغم أن سبهان آدم اختار العيش بعيداً عن الأضواء، إلا أن أعماله تحقق صدى عالمياً واسعاً، إذ تعرض لوحاته في معارض فنية عبر أوروبا وأمريكا، حيث يتفاعل معها جمهور دولي، رغم اختلاف السياقات الثقافية، هذه القدرة على نقل مشاعر الفنان وصراعاته الذاتية إلى جمهور عالمي غير مألوف يعكس قوة الفن وقدرته على تخطي الحواجز الثقافية والزمانية.
ما وراء الجمال فلسفة في التمرد..
مقارنة بالكثير من الفنانين المعاصرين، يظل سبهان آدم متمرداً على الأعراف الفنية، متمسكاً برؤيته الخاصة للفن، ويشير ٱدم قائلاً أنا لا أهتم بنيل إعجاب الجمهور أو الحصول على الجوائز، بل أعتبر لوحاتي هي “حربي الشخصية”. وأرفض أن أكون في موقع “المتلقي” أو “المتفاعل” مع ذائقة الجمهور، وأفضل أن أظل في معركة مستمرة مع ذاتي، فأنا مقاتل، ولوحتي هي ميدان الحرب الخاص بي، وهذا يوضح تماماً كيف أن لوحاته تعكس صراعاته الداخلية وعلاقته بالعالم.
ضد التيار
يشكّل الفنان سبهان أدم حالة فريدة في عالم الفن التشكيلي حسب رأي الكثير من النقاد، فهو مثال حي على الفنان الذي لا يرضى بالمسار السهل أو الشائع، هو دائماً في حالة من التمرد والبحث المستمر عن الحقيقة. لوحاته ليست مجرد مرآة للعالم، بل هي محاولة لفهم واقع قاسٍ، مليء بالفوضى والعبثية، وفي كل لوحة، وفي كل لمسة فرشاة، هناك صرخة صادقة تنبع من أعماق نفسه، تبحث عن الضوء في عتمة الوجود.