الحرّية- عثمان الخلف:
افتتح فرع اتحاد الكتّاب العرب بمقره القديم المدمر بدير الزور معرض (الفن يقاوم الدمار)، وذلك ضمن سلسلة أنشطة ثقافيّة ينظمها الاتحاد احتفاءً بعيد التحرير وانتصار الثورة السوريّة .
حوارٌ بصري مؤثر يحكي قصة مدينة واقفة بشموخ، رغم عاديات الاستبداد والقمع، وسط جدران المبنى المُتآكلة، ليُحول المكان فضاءً حياً مفتوحاً جمع بين الصورة الفوتوغرافية الصادمة واللوحة التشكيلية المُعبرة .
الفنان جمعة السليمان قدّم مجموعة من الصور الفوتوغرافية التوثيقية، نقلت بجرأة فنيّة تشريحاً بصرياً للدمار. لتتجاوز أعماله التسجيل البارد إلى التأريخ العاطفي، فلم تكن الصور مجرد مشاهد للمباني المدمرة، بل كانت نصوصاً بصرية تحكي عن الغياب والحضور، عن الخراب وما تبقى من إنسان. كلها كانت إجابات على سؤال جوهري: كيف نحافظ على الذاكرة عندما يختفي المكان، وكيف نستذكر آلامنا وأوجاعنا دون يأس؟
واستخدم الفنانان فاتح أبو جديع وخليل عبد اللطيف تقنيات فنية متنوعة شملت اللوحات الزيتية والمائية والرسوم بالفحم وقلم الرصاص، في حوار داخلي بين الألوان والظلال، بين الكثافة والشفافية، ليتحدثا عبر أعمالهما عن رموز عميقة مثل النزوح والتحدي والصمود وعودة الكرامة، من خلال تكوينات دراميّة تجمع بين الواقعية والتعبيرية.
فمزج عبد اللطيف في لوحاته الزيتية، بين الأحمر الدامي والأسود القاتم والأخضر الوارف، ليحكي قصة دير العز التي تنتصر فيها الحياة على الموت. أما في أعماله بالفحم وقلم الرصاص، فقد قدّم قراءة أكثر حدّة وكثافة، مُركزاً على الوجوه والعيون والأيدي، كرموز للصمود والتحدي.
في حين تنقل فاتح أبو جديع بين تقنيات الفحم وقلم الرصاص لرسم لوحات بالأسود والأبيض تعبّر عن العمق المأساوي، ثم تنتقل لرسم لوحات أكثر شفافية وتفاؤلاً. في أعماله ظهرت دير الزور ليس كموقع جغرافي فقط بل كقيمة إنسانية، لتحمل لوحاته بصيص أمل، بينما حملت رسومات الفحم وقلم الرصاص جرأة الواقع وقسوته.
خلق المعرض حواراً استثنائياً بين فن التصوير الضوئي الوثائقي والفن التشكيلي التعبيري. وأشار الفنان خليل عبد اللطيف، في حديثه لـ”الحرّية” أن المعرض هذا العام جاء بطعم الحريّة، “عندما تمتلك الحرّية فلا سقف لإبداعاتك، مشاركاتي تنوعت مابين لوحات زيتيّة، إلى الرسم بتقنية الفحم، عبرها تكلمت عن وجع الدير، عاداتها وتقاليدها، عن صمودها بوجه القمع، وعن صبرها الذي تكلل نصراً في مثل هذه الأيام من عامٍ مضى” .
عددٌ من الزوار من مثقفين وفنانين وأبناء المدينة عبروا عن انطباعات عميقة أكدت أن هكذا معرض يُثبت أن الثقافة لا تُدفن تحت الأنقاض، بل تنبت منها أكثر قوة، مشيرين إلى أن اختيار هذا المكان تحديداً لاحتضان المعرض، وفي ذكرى التحرير والخلاص من القهر والاستبداد، ماهو إلا رسالة بأننا نستطيع أن نصنع الجمال حتى من أحجار الدمار، وسط الآلام وحكايات الموت، وبأن إرادة الحياة أقوى من كل دمار، وأن الإبداع هو الوسيلة الأصدق.