القطاع الزراعي على مفترق طرق ..! مرحلة احتضار تبطل كل المحاولات الإنعاشية لإنقاذ ما تبقى ..!

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:

مراحل متنوعة مرّ بها الإنتاج الزراعي في سورية بشقيه” النباتي والحيواني” بدءًا من الندرة والحاجة، مروراً  بمرحلة الكفاية، وعبورها لمرحلة كانت ذهبية بامتياز  هي الوفرة والتصدير، ومن ثم الوصول إلى مرحلة شكلت حالة من القلق والخوف لدى كل مواطن على الأمن الغذائي الذي بدأ بمرحلة انحدار شديدة، ومتسارعة في كل خطواتها، والوصول إلى مستويات كارثية، والتي بدأت تباشيرها  مطلع العام 2006 والتي لم تستطع فيها الحكومات المتعاقبة وقف هذا الانحدار الشديد في الواقع الزراعي بكل مكوناته، نتيجة المعالجات الخاطئة، وعدم القدرة على إيجاد الحلول والبدائل لمشكلات أصبحت مستعصية، منها على سبيل المثال ” الجفاف” الذي ضرب المنطقة بكاملها لسنوات متتالية، واتخاذ الحكومات إجراءات علاجية لم تتوافق مع حجم الخطر، بل زادت منه، كرفع أسعار المستلزمات والمواد الأولية كالطاقة الكهربائية، والمحروقات والأسمدة وغيرها كثير، الأمر الذي أرهق المزارعين، وهجر الآلاف منهم هذا القطاع، والوصول إلى واقع ينذر بكارثة وطنية لن تستطيع الحكومة الجديدة وإجراءاتها وقفها بالشكل المطلوب، وإيجاد البدائل بالسرعة الكلية، مع إضافة عامل جديد يساهم اليوم في تسريع حالة الانحدار، وهذا يكمن في انفتاح الأسواق ودخول منتجات منافسة غزت أسواقنا المحلية، وخروج معظم الإنتاج المحلي من السوق، وهذا الواقع مؤشر خطير لواقع إنتاجنا الوطني ويفرض سؤالاً عريضاً على مساحة الوطن، الإنتاج الزراعي السوري إلى أين..؟!

عفيف: الزراعة التعاقدية إجراء إنقاذي يساهم في وضع الإنتاج الزراعي على الطريق الصحيح

مرحلة خطيرة
تحت هذا العنوان العريض يجيب الخبير الاقتصادي أكرم عفيف أن النظام السابق أوصل القطاع الزراعي إلى مرحلة الاحتضار، حيث أكدنا هذا الأمر مرات عدة، وقلنا قبل السقوط: إن مرحلة الاحتضار انتهت ونواجه حالة خطيرة في هذا المجال، لأسباب كثيرة، نذكر على سبيل المثال” منطقة الغاب” أصبحت مليئة بالأعشاب المعمرة، والمزارعون يصعب عليهم فلاحة الأرض بمستويات عميقة بسبب التكاليف الكبيرة للإنتاج الزراعي، إلى جانب عدم وجود جهات تمويل لاستمرار عملية الإنتاج، والجانب الأخطر سياسة الحكومات المتعاقبة والمتعلقة بتسعير المحاصيل الزراعية التي أوصلتها للخسارة المطلقة، سواء الذي يباع للدولة، أم غيرها، وهذا كله قبل سقوط النظام البائد، واليوم نحن في ظل حكومة جديدة، وهي لم تتمكن بعد لمساعدة القطاع الزراعي، الذي يعاني من موت سريري بحاجة إلى عمليات كثيرة من الإنعاش للعودة تدريجياً إلى ميدان الإنتاج، التي تقوم بها الحكومة لعودته إلى ميدان الإنتاج، فمزارعو القمح زرعوا القمح بصورة جزئية، وبالدين حيث يتم شراء كيس السماد الواحد من المصارف بأكثر من 450 ألف ليرة، لأنه يباع ديناً، في حين سعره في الخاص 240 ألف ليرة، والصعوبة الأخرى المنافسة الشديدة من قبل البضائع التركية للمنتج المحلي والبضائع المستوردة، وبالتالي تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية كبيرة جداً، وما يوجد بالأسواق المحلية سواء أكان مهرباً، أم يدخل بصورة نظامية أرخص بكثير، الأمر الذي يفقد المزارع الجدوى من زراعته والوقوع بخسائر كبيرة بسبب دخول المنتجات معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية، ناهيك عن عدم وجود مصادر تمويل، والأهم أن معظم المحاصيل الزراعية المسلمة للدولة سابقاً، لم تدفع قيمتها للمزارعين الأمر الذي ساهم في سقوط المزارعين في ميدان الخسائر المتلاحقة.
وبالتالي الفلاح لم يعد قادراً على الزراعة، لعدم القدرة على تحمل تكاليف الإنتاج  إلى جانب ضعف التمويل، وما ينطبق على المزارعين ينطبق على مربي الثروة الحيوانية حيث انخفضت أسعار الأعلاف ولكن انخفض التصريف أيضاً، ما دفع بالكثير من الفلاحين، لبيع ما يملكونه من ثروتهم على تنوعها واختلافها.

إنقاذ سريع
وللخروج من ذلك لابد من إجراءات إنقاذية وسريعة، وهنا يرى “عفيف” اتخاذ بعض الخطوات الإجرائية والتي يمكن ترجمتها على أرض الواقع، تبدأ من خلال اعتماد أسلوب الزراعة التعاقدية، مع جهات حكومية وغيرها وبالتالي هنا المزارع يعرف سعر منتجه وقيمته مسبقاً، مع وجود تمويل من الجهة المتعاقدة، الأمر الذي يساهم في وجود استقرار للمزارع والمنتج على السواء، إلى جانب إجراءات أخرى تتعلق بتخفيض تكاليف الإنتاج الزراعي، لذا من الضروري دعم الحكومة للإنتاج الزراعي للنهوض، باعتباره حافزاً وموازياً لقيم الإنتاج السوري، لابد من عملية إنقاذية للمنتج الزراعي لأنه دخل في مرحلة الاحتضار.

قرنفلة: نحتاج إرادة سياسية تعتمد “الزراعة أولاً” في تنفيذ خطط العمل الحكومي

فالإجراءات الحكومية الجديدة ينبغي جميعها أن تتضمن حلولاً سريعة مستوحاة مما ذكره “عفيف” باعتباره رأياً يقارب الواقع، وهناك مشاطرة للرأي من قبل الخبير في مجال الإنتاج الحيواني والتنمية الزراعية عبد الرحمن قرنفلة، معتبراً أن هذا القطاع فقد هويته منذ زمن طويل، بسبب سياسات النظام البائد، والذي خلف زراعة منهكة ومتهالكة، وبنية تحتية مدمرة، ومكونات إنتاجية صهرتها أخطاء الحكومات السابقة، التي بدلت تركيبة المجتمعات السكانية والديموغرافية وغيرها، والتي أدت بدورها إلى تغيير في الحالة الزراعية على امتداد الجغرافية السورية، ساعدتها إجراءات أعاقت النمو الزراعي منها على سبيل المثال: وسائل الإنتاج القديمة، وصعوبات التمويل وتعقيدات إجراءاتها، والأهم المعاناة الكبيرة مع مصادر الطاقة المكون الأساسي والداعم لهذا القطاع، دون تجاهل ما حدث من فوضى باستثمار الموارد المائية، والتفنن بفرض الرسوم والضرائب التي أرهقت المنتج المحلي، سواء المعد للسوق المحلية، أم للأسواق الخارجية، والأهم ما تعرضت له الثروة الحيوانية من عمليات تهريب ممنهجة، إلى جانب انعدام فرص التنمية المتوازنة، وإهمال استثمار مناطق واسعة من الجغرافية السورية لاسيما البادية، كل هذه الأسباب وغيرها، أدت لوجود قطاع زراعي متهالك ومنهك القوى في كل مفاصله، ويحتاج لغرف إنعاش تأخذ بالحسبان طرق المعالجة، والحلول الناجعة، والتي رآها” قرنفلة” بعدة محاور في مقدمتها:

إرادة سياسية  
وجود إرادة سياسية تعتمد مبدأ (الزراعة أولاً) في خطط العمل الحكومي، وإعادة تنظيم القطاع من خلال تأسيس اتحادات نوعية، تساهم بتحمل مسؤولية إدارة النشاطات الزراعية، مثل اتحاد مربي الدواجن واتحاد مربي الأبقار الحلوب واتحاد مزارعي القمح، وتوحيد جهات الإشراف على القطاع الزراعي المتوزعة على عدد من الوزارات، ودراسة وتحليل القوانين الناظمة لعمل القطاع وتطويرها لتتناسب والواقع الراهن وتطورات المستقبل.
إلى جانب إعادة بناء المجتمع الريفي الذي مزقته حرب النظام البائد، والعمل على تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة، وتنفيذ سياسة دعم المنتج النهائي بدل دعم مستلزمات الإنتاج، وسرعة معالجة قضايا تصدير المنتجات الزراعية ووضع حلول عاجلة لكل ما يعيق قطاع التصدير
إلى جانب ضرورة مهمة جداً تقضي الاهتمام بالصناعة الغذائية وتطويرها بصورة تسمح بتحقيق تكاملية تصنيعية، لا تقتصر فقط على تلبية حاجة السوق المحلية، بل تتخطاها الى الأسواق العالمية، وهذا بدوره يتطلب تطوير آليات العمل الزراعي وطرقها لتأمين ما ذكر، وهذا لن يتحقق برأي “قرنفلة” إلا باتباع استراتيجية تتضمن خطوات ثابتة يمكن تحديدها في عدة نقاط أساسية في مقدمتها، إشراك الفلاحين في وضع الخطط ورسم استراتيجيات تطوير العمل الزراعي، ومن ثم وضع تحديد أهدافها بما يتوافق مع المتوافر من إمكانات مادية وبشرية وموارد طبيعية وزراعية، وتتوافق أيضاً مع طبيعة النمو السكاني، والسياسة الاقتصادية العامة، إلى جانب إجراء دراسات تحدد الواقع الراهن والفعلي للزراعة، متضمنة عناصر قوتها وأماكن ضعفها، دون أن ننسى تقسيم القطاع الزراعي إلى أنشطة نوعية متخصصة، وفرق فنية لكل قطاع مهمته التحليل والمتابعة، ووضع الخطط اللازمة التي تكفل النجاح وتحقيق التنمية المطلوبة.

Leave a Comment
آخر الأخبار