الليرة أول المنتعشين.. سوريا بلا “قيصر” والآمال معقودة على ازدهار الاقتصاد وانطلاق التنمية

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- باسم المحمد:

يتنفس الاقتصاد السوري اليوم مع اقتراب الخطوات الأخيرة لرفع قانون قيصر الذي خنق الشعب السوري لسنوات طويلة، بعد الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة السورية منذ اليوم الأول للتحرير.

وكان مجلس النواب الأمريكي صوت أمس بالأغلبية لصالح إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” الذي أُقرّ في كانون الأول 2019 لمعاقبة النظام البائد على جرائم الحرب التي ارتكبها بحق الشعب السوري خلال سنوات الثورة.

وجاء الإلغاء شاملاً ودون أي شروط، ضمن مادة مدرجة في قانون موازنة وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2026، بعد جهود دبلوماسية مكثفة بذلتها الحكومة السورية، مدعومة بالجالية السورية والمنظمات السورية الأمريكية الفاعلة في واشنطن، إضافة إلى مساندة دول شقيقة وصديقة عملت لرفع هذه العقوبات التي أثقلت كاهل السوريين.

ورغم أهمية هذا القرار في إزالة العراقيل أمام عجلة الإنتاج والتنمية، إلا أنه يمثل بداية الطريق لانتعاش الاقتصاد السوري، وقطف ثمار صبر الشعب السوري ونضاله.

تزيل أكبر العوائق

في ردود الأفعال الأولية بعد قرار الكونغرس، أكد وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشعار أن قرار إلغاء “قانون قيصر” يمثل خطوةً تاريخية تزيل أحد أكبر العوائق التي واجهت الاقتصاد السوري، وتفتح آفاقاً واسعة أمام عودة الاستثمارات والمساعدات لدعم جهود إعادة الإعمار.

وقال الشعار في تصريح نقلته وكالة سانا: إن إزالة هذا الحاجز ستسهم في تحسين الوضع الاقتصادي عبر توفير العملة الأجنبية وتعزيز القدرة على استيراد المواد الأساسية والآلات والتقنيات اللازمة لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، والمساهمة في استقرار الأسعار في الأسواق المحلية.

وأوضح الشعار أن إلغاء القانون سيسهل عودة الشركات العربية والأجنبية للاستثمار في سوريا، ويدعم انتعاش القطاع المصرفي من خلال تيسير العلاقات المالية الدولية، ما ينعكس إيجاباً على فرص التمويل والتصدير، ويعزز قدرة المنتج السوري على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية.

وأكد الشعار أن الوزارة تعمل مع شركائها في الحكومة ومع غرف الصناعة والمجتمع المدني على وضع حزم سياسات وحوافز تشجيعية وقوانين تنظيمية تهدف إلى استثمار هذه الفرصة في تعزيز الإنتاج الوطني ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وأشار الوزير الشعار إلى مساهمة الجهود الدبلوماسية والجالية السورية بالخارج في بلوغ هذا الإنجاز، مثمناً دور الشركاء الإقليميين والدوليين الذي مهّد لهذا القرار، ومشدداً على أهمية تكاتف القطاعين العام والخاص لاستثمار هذه اللحظة التاريخية لصالح إعادة بناء اقتصاد سوري قوي ومزدهر.

“الليرة” أول المستجيبين

شهد سعر صرف الليرة تحسناً ملحوظاً وسريعاً استجابة للقرار ، حيث تراجع سعر صرف الدولار في السوق الموازية من ١٢ ألف ليرة إلى حدود ١١٤٠٠ ليرة، خلال الساعات القليلة التي تلت قرار مجلس النواب الأمريكي.

وبذلك يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً بعد إشاعة الأمل بين السوريين، الذين انطلقوا منذ اللحظات الأولى في مسيرات فرح وتأكيد على دعمهم لخطوات القيادة السورية الناجحة.

ماذا يعني اقتصاديًا إلغاء قانون قيصر؟

قانون قيصر كان يمنع:

تدفّق الاستثمارات الأجنبية.

استيراد الكثير من المواد والمعدات.

مشاركة الشركات العالمية في مشاريع الطاقة والإعمار.

التعامل بالدولار مع مؤسسات الدولة.

إعادة إعمار البنى التحتية عبر شركات دولية.

بالتالي، كان أكبر حاجز أمام إعادة الإعمار وأمام أي انتعاش اقتصادي حقيقي.

الآثار الاقتصادية المتوقعة بعد الإلغاء

1. تحسّن تدريجي في سعر صرف الليرة (لكن ليس سريعًا)، فعندما تُرفع القيود والعقوبات الثقيلة، تزداد التحويلات المالية الرسمية،

ويدخل الدولار عبر الاستثمار والتجارة،

كذلك ينخفض الاعتماد على السوق السوداء.

لكن التحسّن محدود ما لم تُنفذ إصلاحات داخلية (محاربة الفساد – تقوية النظام المالي – إصلاح الضرائب).

2. انفراج في استيراد السلع والمواد، إذ إن إلغاء القانون يسهّل: استيراد المواد الخام للصناعة.

إدخال قطع التبديل للمعامل، وصول المواد الطبية والدوائية، تشغيل شركات الشحن الدولية.

هذه عوامل قد تؤدي إلى: انخفاض أسعار بعض السلع (خصوصًا المستوردة)، عودة الإنتاج الصناعي تدريجيًا، زيادة توفر المواد في الأسواق.

3. انطلاق مشاريع إعادة الإعمار

سوريا تحتاج ما بين 250 – 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهي أموال لم يكن يمكن أن تدخل سابقًا.

ومع إلغاء القانون: يمكن لمعظم الدول الشقيقة والصديقة الدخول بمشاريع بناء، ويمكن إطلاق مشاريع سكنية وكهربائية ومياه وطرقات.

ازدهار قطاع المقاولات والإنشاءات.

وهذا ما سينجم عنه: توفير فرص عمل واسعة، رفع دخل آلاف العمال والمهندسين، تحريك عشرات القطاعات المرتبطة بالبناء (الإسمنت، الحديد، النقل، التجارة…).

4. قطاع الطاقة قد يكون المستفيد الأكبر

إمكانية استقدام شركات أجنبية لإصلاح محطات الكهرباء، إضافة إلى إمكانية الاستثمار في الغاز السوري،ودخول شركات لصيانة حقول النفط وخطوط النقل.

وهذا ينعكس على الاقتصاد كله.

5. تحسن تدريجي في مستوى المعيشة

إذا حدثت الاستثمارات المتوقعة ستنخفض معدلات البطالة،وتتحسن القدرة الشرائية نسبيًاً،

وتتراجع الأسعار ببطء مع زيادة الإنتاج المحلي، كما ستتحسن الخدمات العامة (كهرباء، مياه، طرق).

لكن هذا التحسّن يعتمد على: قدرة الدولة على ضبط الأسعار، والحد من الاحتكار، وتحسين الرواتب ولو تدريجيًا.

6. عودة الرساميل السورية من الخارج، فكثير من رجال الأعمال السوريين كانوا مترددين بسبب مخاطر العقوبات.

بعد الإلغاء يمكن أن تعود رؤوس الأموال للاستثمار في التجارة والعقارات والصناعة.

زيادة حركة الأسواق، كذلك إطلاق مشاريع جديدة.

7. تحسن البنية المصرفية والمالية لأن إلغاء القانون يسمح بـ:

فتح قنوات تحويل آمنة.

تعامل البنوك السورية مع البنوك العربية والآسيوية.

دعم الليرة عبر احتياطيات نقدية أفضل.

لكن يبقى شرط مهم يتمثل بوجوب أن ترافق هذه الخطوة إصلاحات مالية ومصرفية جادة كي تكون فعّالة.

التحديات أمام المكاسب الاقتصادية

حتى مع رفع العقوبات، توجد عقبات قد تبطئ التعافي:

1. الفساد الإداري والمالي:

أحد أكبر التحديات أمام أي استثمار أو خطة إعادة إعمار، وهنا تعمل أجهزة الرقابة على اجتثاث ثقافة الفساد التي كانت سائدة قبل التحرير، ووضع الأطر القانونية والتشريعية الملائمة لتجفيف بيئة الفساد.

 

2. ضعف البنى التحتية الحالية:

يحتاج الاقتصاد لسنوات من العمل المكثّف للوصول إلى مستوى عملي، وقد استبقت الحكومة السورية هذا الحدث بجملة من الاتفاقيات الدولية في مجال البنى التحتية.

3. نقص التمويل الداخلي

الاقتصاد السوري استنزف أكثر من 12 سنة من الحرب.

مرحلة جديدة

رفع قانون قيصر قد لا يصنع معجزة اقتصادية مباشرة، لكنه يفتح الباب لمرحلة جديدة يمكن أن تنقل سوريا من اقتصاد شبه مشلول إلى اقتصاد يتحرك ببطء نحو التعافي.

النتائج الأكثر ترقبًا خلال أول 2–3 سنوات:

تحسّن نسبي في سعر الصرف.

انخفاض أسعار بعض السلع.

تحسن واضح في الكهرباء والوقود.

زيادة فرص العمل.

انطلاق مشاريع إعمار واسعة.

عودة الاستثمارات العربية والآسيوية.

لكن نجاح هذا المسار يعتمد على:

الشفافية.

الإدارة الاقتصادية.

فتح السوق وتشجيع المنافسة.

استقرار مؤسسات الدولة.

Leave a Comment
آخر الأخبار