الحرّية- هبا علي أحمد:
مما لا شك فيه أن الاهتمام بالقطاع الزراعي يُعد في مقدمة الأولويات التي حتماً ستثمر انتعاشاً اقتصادياً، وهذا الاهتمام يتضمن توفير جميع متطلبات الزراعة ورعاية مشاريع المجتمعات الريفية الزراعية المُنتجة التي تُعد نمطاً تكاملياً بامتياز ولاسيما لناحية تعزيز الأمن الغذائي.
نمط تكاملي
فالمجتمعات الزراعية الريفية هي نمط حياة، نمط اقتصادي واجتماعي وبيئي، وبالتالي هذا النمط تكاملي بامتياز، وهذه المجتمعات ليست مجتمعات هشة، وفقاً للخبير التنموي- مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية والمجموعات المتفرعة عنها، أكرم عفيف، بل مجتمعات منتجة تحتاج إلى الدعم والتمكين والمساعدة في بيئة الإنتاج، لجهة جعل الإنتاج مربحاً ومرتبطاً بالسوق مباشرة.
الإنتاج الريفي إنتاج الخير في سوريا لذلك من الكارثة أن يكون هذا الإنتاج خاسراً أو لا يتم العمل عليه بشكل تعاقدي فالمشاريع الريفية جميعها يمكن أن تكون رابحة
ويستعرض عفيف في تصريح لـ “الحرّية” مثالاً على إنتاج تلك المجتمعات وربطه بالسوق، فامرأة تنتج كمية من الحليب في اليوم تزيد عن حاجة الأسرة، سيدفعها لتحويل جزء من هذا الإنتاج إلى منتجات الألبان كالجبنة واللبنة والزبدة، وهذا الشكل من أشكال العمل على بساطته هو أمن غذائي متكامل.
والسؤال المطروح كيف يمكن أن نجعل من الاقتصاد الريفي أو الأسري اقتصاداً وطنياً، وهل يمكن أن نطور سوريا بشكل سريع في هذا السياق؟
التكامل يحقق نتائج إيجابية لصالح المنتج والمستهلك لأننا نأخذ المُنتَج من المُنتِج بأسعار منافسة ويصل إلى المستهلك بأسعار مقبولة
يُجيب الخبير التنموي: نعم في حال وضعنا إمكانيات وطاقات وعلوم واختراعات وقيم وأفكار السوريين في عملية تنمية شاملة، الاقتصاد الأسري جزء منه اقتصاد ريفي، لكن هذا الإنتاج ليس نوعياً بل يحتاج إلى تحسين ليصبح قابلاً للتصدير والتسويق في السوق المحلي، مضيفاً: هذه مهمة مبادرة المشاريع الأسرية بمحركاتها الثلاث، الرسمي والأكاديمي والأهلي، فعبر هذه التكاملية يُمكن أن نحول الإنتاج الريفي الأسري إلى إنتاج قابل للتصدير، على سبيل المثال الأسر الريفية تقوم بقطاف الملوخية، ويبلغ سعر الكيلو حوالي 65 ألف، لكن عندنا نبيعه بـ 40 ألف، حينها يمكن أن تربح الأسرة يومياً 50 ألفاً في حال باعت 2 كيلو أو ما شابه، وهو ما يؤمّن مصروف احتياجاتها اليومية، كما أن العمل يتم على أن تصل هذه المنتجات إلى سكان المدينة بكرتون معلب أو بيعها للشركات، وهذا التكامل يحقق نتائج إيجابية لصالح المنتج والمستهلك، لأننا نأخذ المُنتَج من المُنتِج بأسعار منافسة ويصل إلى المستهلك بأسعار مقبولة.
مشاريع رابحة
ولفت عفيف إلى أننا ندين بالبقاء للمجتمعات الريفية لأن الإنتاج الريفي إنتاج الخير في سوريا، لذلك من الكارثة أن يكون هذا الإنتاج خاسراً أو لا يتم العمل عليه بشكل تعاقدي ولا يُدار بالشكل الأمثل.
فالمشاريع الريفية جميعها يمكن أن تكون رابحة، على سبيل المثال الأسرة يمكن أن تربي خمس بطات تقتات على فضلات المنزل، وكل بطة تعطي خلال السنة 250 بيضة، 5 بطات يعني 1250 بيضة سنوياً، وهنا يمكن للأسرة مع الزمن توسيع هذا المشروع البسيط والعمل على تسويق الإنتاج للمدينة سواء لجهة البيض أو اللحم، وهذا أحد المشاريع البسيطة التي يمكن العمل عليها إضافة للتربية الحيوانية واستثمار الواقع البيئي.
يُمكن أن نطور سوريا خلال فترة قياسية من خلال استثمار طاقة أبناء الريف والمشاريع الريفية الأسرية
إضافة إلى ما سبق ذكره، يُعيد عفيف حديثاً سابقاً له عن قانون الشركات الزراعية، ففي حال رغبتنا بتطوير قطاع الأبقار وفق هذا القانون فإننا نحتاج إلى تراخيص ومنشآت تحتاج لسنوات ومليارات الليرات، لكن يُمكن أن نحصل على نفس الإنتاج خلال 24 ساعة، من خلال توزيع الأبقار على المربين، عبر قروض يتم تمويلها من شركات معينة، والعمل على تنظيم هذا الموضوع وإيجاد نظام تأميني وبدائل الأعلاف وتخفيض قيمة العلف وزيادة قيمة الحليب لمنتجي الأجبان الذين يجنون أرباحاً كبيرة منها، وهذا الشكل من أشكال الشراكة في مصلحة الجميع ونستطيع أن نزج الجامعات السورية من خلال إعطاء المشاريع لطلاب الطب البيطري والهندسة الزراعية وربط هذه المشاريع بجامعاتهم لتتحول إلى مطارح بحثية.
فالموضوع ببساطة يُمكن أن نطور سوريا خلال فترة قياسية من خلال استثمار طاقة أبناء الريف والمشاريع الريفية الأسرية، وإن حصل هذا يوماً ستكون سوريا بخير.