الحرية- حسام قره باش:
يرى بعض خبراء الاقتصاد أن اعتماد اقتصاد السوق الحر التنافسي كمظلة للاقتصاد السوري، سيضع الصناعة المحلية أمام تحدٍ كبير ربما ينهي المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة أيضاً لعدم قدرتها على المنافسة إطلاقاً أمام الصناعة الخارجية المستعدة لإلغاء الصناعة الوطنية بأي وسيلة، طالما أننا فتحنا أبوابنا على مصراعيها أمام تدفق بضائعها إلى أسواقنا ك”التسونامي” بلا تخطيط أو رقابة عليها، كما يعتقد الخبير الاقتصادي والتنموي الدكتور محمد أورفه لي في حديثه ل “الحرية”.
لا مزايا ولا تسهيلات
ويتساءل أورفه لي؛ في تركيا مثلاً يقدمون للمصدر 18٪ من قيمة صادراته و18٪ إضافية كتخفيض للرسوم تشجيعاً له على التصدير، فأي تاجر أو صناعي عندنا يستطيع مواجهة المصدر التركي بهذه المزايا إضافة لاستعمال الغاز الطبيعي الذي نشَّط الصناعة التركية وجعلها محمية.
وبحسب رأيه، من الخطأ فتح أبوابنا للاستيراد بينما كل دول العالم تحاربه وعلينا إدراك أن السوق الحر دمار لاقتصاد البلد، يتطلب فرض إجراءات وقائية خاصة بعد توقف أغلب مصانعنا لعدم قدرتها على الوقوف أمام دخول البضائع من الخارج وإغراق الأسواق به، فلا يجوز تقديم المنفعة للمصدرين من البلدان الأخرى على حساب اقتصادنا وصناعاته ومنتجاته، وفتح باب الاستيراد من كل حدب وصوب ليس بالحل الأمثل.
أين الدعم المطلوب ؟
يرى أورفه لي كرجل أعمال أن الدعم يكون أولاً دعماً مادياً للمصدر ، وإعطائه طاقة رخيصة كالغاز الطبيعي الذي يعد أرخص وقود في العالم، وثانياً دعم الصادرات وتشجيع التصدير عبر (قطع التصدير) فلا نستورد إلا بمقدار ما صدرنا، أما أن نستورد ولا نصدر فيصبح ميزاننا التجاري فيه عجز هائل وبالتالي تنهار الليرة.
وأضاف: ينبغي علينا إعادة المصانع المتوقفة إلى العمل بمنع الاستيراد لمنتجات لها مثيل محلي وتأمين الغاز الطبيعي لها، كما فعلت تركيا التي لديها نهضة صناعية قوية وبإمكاننا تطبيق التجربة التركية الناجحة التي تفرض ضرائب باهظة على كل منتج يصدر إليها، كالسيراميك الذي تفرض 25 دولاراً على كل متر منه و400 دولار على الطن حتى يدخل تركيا.
وتابع اورفه لي لدينا مصانع رائعة ببلدنا وبعضها صار يستثمر في الخارج، مشيراً بذات الوقت إلى وجود صناعات لدينا لا تعد مميزة، كتعبئة عبوات الزيت أو تجميع الإلكترونيات، ومثل هذه الصناعات تعطى مهلة زمنية كي تصل مدخلات المواد الأولية فيها أقل شيء 50٪ مقابل توفير الحماية لها ، وتشجيع الصناعي على الاستمرار فيها.
المظلة الاقتصادية الأنسب
ووفقاً لأورفه لي فإنه ليس مع اقتصاد السوق الحر، وبرأيه المظلة الاقتصادية الأمثل التي تحمي المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة هو اقتصاد السوق الاجتماعي الذي نحتاجه، كونه يحمي الصناعة الوطنية ويؤمن لها ما تحتاجه للعمل والإنتاج.
وقال: نحن بحاجة أن نصنع بأيدينا لا أن يتطفل العالم علينا، ويجب أن تكون هناك إجراءات حمائية للمنتِج السوري حتى تحافظ المنتَجات الوطنية على نفسها، سواء كانت زراعية أو صناعية أو سياحية وخدمية وأن يكون لدى الحكومة حلول حتى لا يخسر أحد.
وبالتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة كي تأخذ دورها في الناتج الإجمالي المحلي، اعتبر أن أصحاب هذه المشاريع تضرروا كثيراً وتركها أصحابها، لأن التجار يستوردون بكميات ضخمة ويضخونها في الأسواق، وبالتالي فإن اقتصاد السوق الحر يدمر هذه المشاريع التي لا تستطيع الاستمرار والمنافسة، ويقضي على المنتج الوطني ويزيد نسب البطالة، محذراً بأن اقتصادنا يسير نحو الهاوية إذا لم يدعم الإنتاج الوطني بكل أصنافه، ويكون خطاً أحمراً حتى لا يخسر المزارع والصناعي وأي منتِج بالبلد، لإنه إذا ربح ستدور عجلة التنمية وينشط الاقتصاد وتشغَّل اليد العاملة.
صناعات متوقفة
كما يشير الدكتور محمد إلى مواد الإسمنت والسيراميك اللتين تعدان من أهم الصناعات المحلية والمتوقفة حالياً ونقوم باستيراد الإسمنت لإن تكلفته عندنا مرتفعة، بالرغم من ان نسبة 90٪ من المواد الأولية الداخلة في تصنيعه من سوريا وكذلك السيراميك و 50٪ للمواد الصحية تقريباً، ومع هذا لا يستطيعون المنافسة لأنهم بالخارج يدعمون تصديره ونحن غير قادرين على ذلك لعدم وجود تمويل كافٍ.
ويؤكد بأنهم في الخارج يدعمون صادراتهم دعماً مخيفاً، حيث يصل ببعض الدول إلى 36٪، إضافة لاستخدامهم الغاز الطبيعي الذي لا يتجاوز سعره العالمي ألفي ليرة مقابل ليتر البنزين، لهذا تعتمد أغلبية دول العالم عليه في التصنيع، موضحاً أن بعض الدول المجاورة تبيع طن الإسمنت بسعر 30 دولاراً، في حين يباع عندنا تقريباً ب 110 دولارات وتكلفته حوالي 120 دولاراً، فكيف يستطيع أن ينافس المنتج المحلي المستورد الأرخص، رغم أن لدينا معمل إسمنت ضخم لكل مراحل الإنتاج.