الحرية – نورما الشًيباني:
استمرت الأم في سوريا بشكل عام ، و في طرطوس بشكل خاص، و على مرّ الحقب التّاريخيّة بإعطاء دروس بالصبر ، و العمل والمثابرة ، و إبداع الحلول المنقذة لأسرتها ، تخيط بكل ذكاء وإيمان حبال الأمل مهما ضاقت الأحوال، وبلغت الشّدائد أعتاها حتى أبدعت في خلق مراكب للنجاة من العسر إلى اليسر .
التقتها صحيفتنا ” الحرية” و هي تقف أمام تنورها بوجهها البشوش لتخبز الخبز، والفطائر و الأمل ؛ أم محمد أم لأربعة أبناء جميعهم في مرحلة الدراسة، لا تملك من الحياة كما أوضحت سوى منزل متواضع ، وقد بدأ مشروعها الصّغير من فكرة لمعت في رأسها وهي تتأمل الظّروف الصّعبة التي تحيط بها، حيث لم يعد دخل زوجها يسد رمق العائلة .
الفكرة كانت إنشاء تنور لبيع الخبز و الفطائر ، وبعد التفكير ، و إجراء الحسابات وجدته المشروع الأنسب الذي لا يحتاج إلى رأس مال يفوق قدرتها .
تتابع أم محمد موضحةً أنّ التّنور يعمل على الحطب أي أنها ستوفر ثمن الطّاقة وبإمكان زوجها وأبنائها تأمين حاجتها منه ، ومساعدتها إضافة إلى أن المواد الأولية بالإمكان أن تحضرها في البداية بكميات قليلة على حسب قدرتها ، وهكذا صممت و أنشأت التنور بتشجيع من أسرتها لتبدأ عملها يومياً منذ الصّباح الباكر بتحضير الخبز والفطائر التي تجذب برائحتها الزكية كل من يمر بالقرب من التنور .
وأردفت أم محمد موضحةً أنّ الدخل كان بسيطاً في البداية، ولكن بالمثابرة، ومعرفة الناس، وتذوقهم لما تقدمه ازداد الطّلب، وبالتالي تضاعف المردود حتّى أصبح يسدّ احتياجات أسرتها الأساسيّة من طعام ودراسة، و تضيف أنّها في طور توسيع مشروعها، وشراء صاج وتطوير ما تقدمه مستعينة بصديقة بحاجة للعمل .
تصنع أم محمد الخبز و الفطائر بأنواعها إضافة إلى تلبية طلبات المنازل حيث تحضر النّسوة الخلطات من منازلهن وهي تقوم بخبزها .
ختمت كلامها بعبارة (أمي تعلمت من جدتي عدم اليأس و الصبر والعمل و أنا تعلمت من أمي هذا وسأعلمه لأبنائي لأننا في معركة مستمرة في الحياة يجب أن نتسلح فيها بالطموح و العمل لنتمكن من الحياة بكرامة ).
من جانبه أكدّ محمود عليّان أحد الزّبائن على أنه يشتري باستمرار مما تقدمه أم محمد نظراً لجودته ، و طيب مذاقه و فائدته من جهة ، و مساندة وتشجيع كفاح هذه المرأة من جهة ثانية ، و أشار إلى ضرورة أن تقتدي بها جميع النسوة في هذه المرحلة الصعبة ليكونوا عوناً لأسرهن و لسوريا .
مشروع صباريات
ومن جانبها أوضحت الصبية شيرين ابراهيم سكاف أن فكرة المشروع بدأت بعد وفاة والدها وفاءً لذكراه ، وذلك عام 2021
حيث كانت البداية بسيطة جداً ، وكنت أشتري بالقطعة ، ومن ثم بدأت جمّع الأنواع ، وزيارة المشاتل للحصول على أنواع كثيرة ، وأحجام كبيرة ، و متعددة ، وفي عام 2022 كانت الانطلاقة الفعليّة للإنتاج و البيع، حيث بلغت قيمة أول طلبية مبيعة 60 ألف ليرة.
تتابع سكاف لقد واجهتني صعوبات كبيرة في البداية ، ولم يكن يعرفني أحد إضافة إلى صعوبة التصريف ، ولم أكن أمتلك محلاً فقط كان عملي من خلال مشتلي الصّغير في المنزل ، حتى بدأت أطوّر عملي ، و أوسع المجموعة من عدد محدود لا يتجاوز العشرة أنواع إلى مجموعة ضخمة فيها أكتر من 400 نوع وأكتر من 1000 أصيص .
ولفتت سكاف إلى أنّ المردود المادي بدأ يزداد بعد أن حقق انتشاراً كبيراً في صفحتي ،إضافة إلى اهتمامي الكبير بتصوير القطعة بشكل يليق فيها وبالمشاهد الذي سيراها.
وأضافت: ازداد الدخل ، وأصبح الشّحن بالملايين ، وحققت اكتفاء ذاتياً ومردوداً مادياً ممتازاً ، كما أصبح لدي خط إنتاج خاص بي من البذرة وصولاً للنبتة الكاملة ، وبت أشحن إلى خارج البلد ليصبح اسمي معروفاً على مستوى سوريا، بعد أن بدأت من الصّفر من إنسانة لا تملك أي معلومة إلى إنسانة بحثت عن كل معلومة تخص الصّبار للتتحول إلى خبيرة ملمة بكل التّفاصيل .
و بينت سكاف أن مشروعها كان ملهماً لكثير من الشّباب ، والصّبايا كي يفتتحوا مشروعهم الخاص ، ويبدؤوا من الصّفر ، وبذلك أكون قد أثبتت أنه لا مكان للمستحيل لأنه عندما يكون الهدف عظيماً ونبيلاً يتحوّل المستحيل إلى حقيقة.
وفي هذا الصدد أوضحت المهندسة الزراعية رزان شعبان الخبيرة في شؤون المشاريع الصغيرة، أنّ المشاريع الصّغيرة هي نشاطات يقوم بها الأشخاص ، وهي لاتحتاج إلى رأس مال كبير ، وتبدأ بمجهود شخصي أو عائلي.
كما أن هذه المشاريع تعدّ ذات أهمية كبيرة للفرد والمجتمع، بالنسبة للفرد لأنها تعود عليه بالاستقلال المادي كما يقوم صاحب المشروع بإدارة مشروعه بشكل كامل من تأمين مستلزمات وإنتاج و تسويق ، وبالتالي تعزز مهاراته إضافة إلى أنها تجعل الفرد منتجاً لعمل يحبه ، وهذا ما يزيد من فرص الإبداع.