“المفاصلة” في الأسعار باتت على المحك.. كيف سيعيد قرار “تدوين الأسعار” ضبط إيقاعها؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – عمار الصبح:

منذ صدوره قبل شهر تقريباً، لقي القرار الخاص بإلزام المنتجين والمستوردين بتدوين سعر البيع النهائي للمستهلك على كل سلعة ومنتج، الكثير من ردود الفعل المتباينة بين مؤيد ومعارض، وأُشبع القرار تحليلاً ودرساً من قبل الجميع، خبراء ومختصين وتجار وصناعيين ومستهلكين أيضاً.
غير أن سؤالاً لا يزال يتردد على ألسنة الكثيرين، حول مدى التزام الزبون بالسعر المدون على السلعة دونما نقاش أو مساومة، وهل من شأن هذا القرار حتى لو جرى تطبيقه بحذافيره، أن يضع حداً للمفاصلة والمكاسرة المعتادة في الأسواق؟.

آراء: “المفاصلة” باتت من أدبيات السوق والسعر “النهائي” سيكون مجرد ورقة

المفاصلة باقية

في استطلاع جزئي للرأي أجرته “الحرية” على شريحة من المواطنين، أعرب غالبية من استطلعت آراؤهم عن اعتقادهم بأن المفاصلة في الأسعار ستظل باقية حتى ولو جرى تطبيق القرار ودُوّنت الأسعار على السلع، واعتبروا أن الأمر لا يعدو حسب قولهم، إجراءً شكلياً ومجرد ورقة مطبوعة على السلعة، إذ سيظل ثمة هامش كبير للمساومة.
فيما أبدى البعض ميلاً نحو تفضيل إلغاء سلوك المساومة من قاموس الأسواق، شريطة وضع أسعار منصفة على السلع لا مجال فيها للمجادلة ولا للنقاش، لافتين إلى أنه ومع الوقت سيعتاد الزبون على عبارة “السعر نهائي ولا مجال للمفاصلة”.
وكشف الاستطلاع أن النساء أكثر استخداماً للمفاصلة في الشراء، بل والأكثر إتقاناً لهذا السلوك من الرجال الذي لا يحبذ غالبيتهم التفاوض بشأن السعر مع الباعة.

من الخضار إلى الدواء!!

إحدى السيدات وصفت في حديثها لـ”الحرية”، المساومة والمفاصلة بالفن الذي يحتاج إلى خبرة وممارسه، فهي كما تقول “لا تترك شيئاً الا وتفاصل في سعره، بدءاً من الخضار مروراً بالألبسة وتجهيزات المنزل، وليس انتهاء بالدواء الذي دخل هو الآخر مضمار المفاصلة والمساومة” .
وترى السيدة أن المفاصلة وكسر الأسعار باتت بالنسبة لها، من أساسيات عمليات البيع والشراء، بل وسياسة قائمة في السوق بحد ذاتها، لذلك حتى لو جرى تطبيق قرار تدوين الأسعار تماماً، كما تقول “ستظل تتبع الأسلوب ذاته، فهناك دائماً هامش يستطيع البائع التحرك فيه، ما يبقي عنصر المساومة حاضراً في عملية الشراء التي تتصف بالمرونة، على حد وصفها.

أزمة ثقة

بدورها أعادت السيدة رحاب عبد الرزاق، أسلوب المفاصلة الشائع في الأسواق إلى ما أسمته “أزمة ثقة” بين البائع والمشتري، وأيضاً إلى مدى مصداقية السعر المطبوع المدون على السلعة.
وتضيف: “كثيراً ما يشعر الزبون بالغبن إذا دفع كامل القيمة المدونة على السلعة، ليكتشف لاحقاً أن سعرها أخفض من ذلك بكثير، وهو ما يجعله ( أي الزبون ) مضطراً في المرات اللاحقة إلى المفاصلة والمكاسرة للوصول إلى سعر يرضيه.
وتشير السيدة عبد الرزاق إلى أنها رحبت كما كثيرون بقرار إلزام المنتجين والمستوردين بتدوين الأسعار على السلع، ما يضع حداً لطمع بعض التجار، وما يخفف من الاختلافات الحاصلة في الأسعار بين منطقة وأخرى، ولكنها في الوقت نفسه تتساءل، “هل ستكون هذه الأسعار نهائية لا مجال فيها لمساومة أو مكاسرة لإنقاص السعر” ؟.

خبير: نحتاج المزيد من الوقت لنصل إلى نمط استهلاكي يعتمد التسعير الثابت

“الأمر يحتاج إلى كثير من الوقت” تقول السيدة، حتى تتضح الرؤية وتتكشف أبعاد القرار، لكنها ستظل وإلى أن يحدث ذلك مضطرة للمفاصلة والمكاسرة على أمل الحصول على أفضل الأسعار.

المفاصلة “فن نسوي” بامتياز

تشير المعطيات وكما أسلفنا، إلى أن النساء أكثر ميلاً للمفاصلة من الرجال الذين لا ينظر الكثير منهم إلى الأمر بعين الرضا، بل ولا يجيدون هذا النوع من السلوك، فيما يفضلون التحايل على الأمر بطرق مختلفة.
يفضل أحمد الراتب (مهندس) الأسعار الثابتة والمحددة والتي لا نقاش فيها على تلك القابلة للأخذ والرد والجدل الذي لا طاقة له على ممارسته، مضيفاً أنه يتجه غالباً إلى المولات ذات الأسعار المحددة، فيما يترك بقية المستلزمات التي فيها هامش كبير للمساومة كالألبسة والأدوات الكهربائية إلى زوجته، التي تجيد هذا النوع من التفاوض.
ويشير إلى أن التفاوض على الأسعار أو المفاصلة، ليست مقتصرة فقط على أسعار السلع والمنتجات في الأسواق بل يتعداه إلى بعض الخدمات كالتي يقدمها المهنيون في مجال تصليح الأجهزة والآلات والمباني وسواها، وهذه الخدمات لا يشملها بطبيعة الحال قرارات ولا تحدها حدود.
ويعرب أحمد الراتب عن أمله في يأتي الوقت الذي تسود فيه ثقافة استهلاكية جديدة قائمة الشفافية في الأسواق، من خلال توفير معلومات واضحة حول تكاليف المنتج، ما يمكن المستهلك من اتخاذ قراراته دون القلق من أنه قد تعرض للغبن والمزايدة.

خبرة تسويقية

وتعد المساومة في البيع والشراء، وبخاصة في أنواع معينة من السلع والخدمات، سلوكاً شائعاً ليس في سوريا وحسب بل وفي العديد من الدول.
ويشير خبراء التسويق أن المفاصلة والمساومة في عمليات البيع والشراء ترتبط بعدة عوامل، منها الاستقرار الاقتصادي ودرجة تطور العمل المؤسساتي وكذلك الأنظمة الرقابية، فكلما كان البلد متطوراً تكنولوجياً واقتصادياً تقل ظاهرة المفاصلة، بسبب وجود أنظمة رقابية تجعل تثبيت السعر ينصف الطرفين البائع والمشتري ولا يوجد تغليب لأحدهما على حساب الآخر.
ويرى خبير التسويق مجد العمار، أن قرار تثبيت السعر على المنتج ضروري، ولكنه غير كافٍ لمنع ظاهرة المفاصلة والتي تعد إرثاً متجذراً، مبيناً أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إلى نمط استهلاكي يعتمد قانون السعر الواحد أو التسعير الثابت، والذي يحمي المستهلكين من ممارسات التسعير غير العادلة، إذ يمنع الشركات من استغلال الأفراد الذين قد يفتقرون إلى مهارات التفاوض أو المعرفة حول أسعار السوق.
ولفت العمار إلى أن المفاصلة تبدو شائعة على نحو أكبر في الأسواق الشعبية، أكثر منها في المولات والمحال التجارية المتخصصة، حيث يحتفظ الباعة في الأسواق الشعبية بهامش الربح أو مساحة أكبر تتيح له المناورة في حال استخدم الزبون أسلوب المفاصلة.

Leave a Comment
آخر الأخبار