الحرية – أمين الدريوسي:
صراع القوى.. من الشوارع إلى قاعات الدبلوماسية.. قاعات سرية بين جنيف وفيينا، تكتب فصول واحدة من أخطر المعارك الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين. الولايات المتحدة وإيران.. عدوّان لدودان يجلسان على طاولة واحدة، يحاول كل منهما كسب ما فشل في تحقيقه بالصراع المباشر، فهل يمكن للدبلوماسية أن تنجح حيث فشلت العقوبات والحروب بالوكالة، أم إن هذه المفاوضات مجرد جولة جديدة في صراع لن ينتهي؟
لماذا تعود واشنطن وطهران إلى الطاولة مرة بعد مرة؟
تعيش الولايات المتحدة الأمريكية بين الرغبة في الانسحاب من المفاوضات والخوف من التهديد النووي، لذلك تسعى واشنطن لتقليل تورطها في منطقة الشرق الأوسط، لكنها تخشى إيران نووية. ومع وجود أزمة الطاقة وارتفاع أسعار النفط، قد تكون طهران ورقة ضغط لتهدئة السوق، كما أنها منافسة للصين وروسيا، لذلك لا تريد الولايات المتحدة أن تتركها تصول وتجول ولا أن تكون في أحضان خصومها.
الحصار الاقتصادي يدفعها للتفاوض
في معادلة الصراع الإيراني – الأمريكي، أثبت الحصار الاقتصادي أنه السلاح الأكثر فاعلية، فبينما فشلت التهديدات العسكرية والخطابات النارية في ثني طهران عن سياساتها، نجحت العقوبات في تحقيق ما عجزت عنه الحروب ليخلف هذا الحصار أرقاماً تكشف حجم الكارثة من تضخم جامح تجاوز 50% ليكون أسوأ معدل في تاريخ إيران الحديث، والعملة فقدت أكثر من 80% من قيمتها، فيما وصلت البطالة إلى 15% بين الشباب، وأكثر من 30% بين الخريجين الجامعيين وهي في تصاعد هذه بعض من الأمور التي ألزمت النظام الإيراني للجلوس على طاولة المفاوضات رغماً عن أنفه.
ما الذي يقف في طريق الاتفاق.. وما أبرز نقاط الخلاف؟
بين مطرقة الاقتصاد المنهك في إيران وسندان السياسة الداخلية الأمريكية، تبقى المفاوضات عملية شد حبل لا تنتهي، الحل الوحيد الممكن قد يكون «اتفاقاً بارداً» إن صح التعبير فقط يحفظ ماء وجه الطرفين دون حل الجوهر، لكن السؤال ما هي نقاط الخلاف؟
هناك 5 نقاط خلاف تعيق أي اتفاق نهائي بين الولايات المتحدة وإيران هي:
أولاً: مستوى تخصيب اليورانيوم، حيث تصر إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 % لأغراض «مدنية» بينما ترفض أمريكا أي نسبة فوق 3.67% وتطالب بتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتطورة، كما ترفض طهران السماح بتفتيش مفاجئ للمنشآت العسكرية المشتبه فيها ومن أهمها الملف الشائك لمفاعل «أراك» الثقيل والمياه الثقيلة.
ثانياً: النفوذ الإقليمي أو معركة الهيمنة: أمريكا تطلب وقف دعم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والفصائل في العراق، فيما إيران تعتبر هذه الجماعات «أصدقاء طبيعيين» وتمتنع عن التخلي عنهم.
كذلك مطلوب من إيران وقف برنامج الصواريخ بعيدة المدى «الصواريخ الباليستية» وإيران ترفض الربط بين الملف النووي وهذه الصواريخ.
ثالثاً: يعتبر رفع العقوبات معضلة الثقة المفقودة في التوقيت والآلية، حيث تطلب إيران رفع العقوبات فوراً وبشكل كامل كشرط مسبق، وأمريكا تريد رفعها تدريجياً وفق جدول زمني مشروط، كذلك إصرار إيران على رفع كل العقوبات غير النووية بما فيها تلك المتعلقة «بالإرهاب» وأمريكا ترفض التنازل عن أي ورقة من أوراق الضغط حتى لو كانت عقوبات غير نووية.
رابعاً: تطالب إيران بضمانات بعدم تغيير النظام، ووقف الهجمات الإلكترونية والاغتيالات والضربات العسكرية المسبقة. بالمقابل ترفض أميركا تقديم ضمانات مكتوبة، أو التخلي عن خيار الضربة العسكرية.
خامساً: الملف الإسرائيلي وهو القنبلة الموقوتة في هذه المفاوضات فبينما ترفض طهران أي شروط تتعلق بالاعتراف بإسرائيل والاستمرار في خطابها «محو إسرائيل» تضغط واشنطن على إسرائيل لعدم عرقلة الاتفاق مع ضمانات أمنية خاصة لحليفتها في المنطقة.
مفاوضات أشبه بلعبة شطرنج
إن هذه المفاوضات باتت أشبه بلعبة شطرنج.. كل حركة تحمل معها تهديداً خفياً، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أنه لا بد من الجنوح إلى المفاوضات بالنسبة للطرفين، فإيران تُدرك تماماً أن أوضاعها الداخلية والإقليمية، ليست كما كانت عليه ما بين 2012 و2015. كما أنها خسرت كثيراً من دورها الإقليمي وباتت أضعف إقليمياً مما كانت عليه. بالتالي تستثمر الولايات المتحدة في هذا الظرف، لأنه يشكل نقطة قوة بالنسبة لأمريكا.
كما أن موضوع الخيار العسكري بالنسبة لواشنطن ليس مضموناً، لأن الكل يُجمع بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن مسألة تصفية البرنامج النووي الإيراني تكاد تكون مستحيلة، بسبب التشتت الجغرافي للمنشآت النووية الإيرانية، لذلك لا معنى لضربة عسكرية مع بقاء المنشآت النووية. على العكس من ذلك فالضربة ستكون عامل توتير وعنصراً فاعلاً في إدامة الصراع.
هل هذه المفاوضات مجرد مسرحية؟
في النهاية، يبدو أن واشنطن وطهران تتفاوضان لأن الحرب مكلفة للطرفين، لكن الثقة معدومة، المفاوضات قد تؤجل الصراع، لكنها لن تحله، والسؤال الأكبر الذي يفرض نفسه الآن هل يمكن لدبلوماسية بلا ثقة أن تنجح، أم إن المنطقة مقبلة على جولة جديدة من المواجهات ولكن هذه المرة بوجه أكثر هدوءاً؟
وفي النهاية هل يمكن أن تؤدي هذه المفاوضات إلى اتفاق دائم، أم إنها مجرد هدنة مؤقتة قبل عاصفة أكبر؟