الحرية- لوريس عمران:
تحوّل إعداد مونة المكدوس هذا العام إلى عبء اقتصادي ثقيل يرهق ميزانيات الأسر السورية، بعدما كان ركناً ثابتاً في المخازن المنزلية وطقساً سنوياً لا يغيب. ومع ارتفاع أسعار الجوز وزيت الزيتون، لجأ كثيرون إلى بدائل أقل تكلفة مثل فستق العبيد وزيت الصويا، بينما اضطر آخرون إلى الاستغناء عن هذه المونة بالكامل.
طقس عائلي قبل أن يكون طعاماً
كان المكدوس في البيوت السورية حدثاً موسمياً يجمع العائلة حوله، حيث تتوزع الأدوار بين من يسلق الباذنجان ومن يحضّر الجوز ومن يرصّ الجرار، هذا الطقس حمل في طياته بعداً اجتماعياً يتجاوز حدود الطعام، وأصبح جزءاً من هوية الأسرة وعنواناً للتعاون بين أفرادها.
الأسواق تئن تحت ثقل الأسعار
في أسواق اللاذقية أشارت شهادات الأهالي لصحيفتنا “الحرية ” إلى أن الباذنجان متوافر بكثرة، غير أن تكاليف الحشوة والزيت هي ما يعوق إعداد المكدوس، مبينين أن معظم العائلات كانت تفرغ أياماً متتالية لتقطيع الجوز وتحضيره، أما اليوم فقد غاب المشهد، وحلّ مكانه حساب دقيق للنفقات ومقارنات بين تكلفة كيلو الجوز وكيلو اللحم.
فستق العبيد بديل اضطراري عن الجوز
بعض الأسر أكدت أنها استبدلت الجوز بالفستق العبيد، معتبرة أن الطعم يظل مقبولاً وإن افتقد المكدوس نكهته الأصلية، فيما رأت أسر أخرى أن المكدوس من دون زيت الزيتون ليس سوى نسخة مشوهة، لذلك فضلت مقاطعته نهائياً هذا العام
وأكد آخرون أن الزيت الذي كان عنصراً أساسياً في كل بيت بات اليوم عبئاً مالياً، أيضاً تراجع الإنتاج بفعل الحرائق وتزايد الطلب ليرتفع سعر تنكة الزيت إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي دفع العديد من العائلات إلى استبداله بزيوت نباتية أقل جودة.
أسباب الغلاء
في السياق نفسه أكد أحد الخبراء الزراعيين المهندس سمير إسبر “للحرية” أن غلاء الجوز وزيت الزيتون يرتبط بعوامل متعددة، منها ضعف الإنتاج المحلي وتراجع مساحات الزيتون، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل، مبيناً أن تكلفة مونة المكدوس لعائلة متوسطة قد تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالعام الماضي، الأمر الذي جعلها خارج قدرة شريحة واسعة من المجتمع.
وأشار إسبر إلى أن المكدوس ليس مجرد طعام بل طقس عائلي يعكس روح التعاون داخل الأسرة. لافتاً الى أن غياب هذا التقليد يترك أثراً معنوياً سلبياً، إذ كانت جلسات إعداد المكدوس في البيوت تخلق لحظات من الفرح الجماعي وتؤكد الترابط الأسري.
بين ذاكرة الماضي وواقع اليوم
بين نكهة الماضي وغلاء الحاضر يقف المكدوس اليوم على مفترق الطرق، فمنه ما تحول إلى ذكرى، ومنه ما بقي حاضراً لكن بتكاليف أقل وجودة مختلفة، ومع ذلك، يظل المكدوس رمزاً من رموز المطبخ السوري وذاكرة محفوظة في وجدان الناس، حتى وإن غاب عن موائد الكثيرين هذا العام.