الحرية – باسمة اسماعيل:
تقف محافظة اللاذقية اليوم أمام تحدٍ اقتصادي كبير، يتمثل في إعادة تفعيل مناطقها الصناعية، التي يعول عليها في تحريك عجلة الإنتاج، وإيجاد فرص العمل وتنظيم الحرف داخل إطار قانوني وتنموي.
رؤية لإعادة التفعيل
في لقاء لـ “الحرية” مع مدير صناعة اللاذقية المهندس عبد الرزاق السالم، حول آلية تفعيل المنطقة الصناعية في اللاذقية وأسباب تعثر بقية المناطق الصناعية في المحافظة.
أوضح السالم أن تفعيل المنطقة الصناعية في اللاذقية سيتم عبر استكمال البنية التحتية الأساسية من كهرباء وصرف صحي ومياه وطرق، إلى جانب تسهيل التراخيص الإدارية ونقل الفعاليات الصناعية المخالفة من داخل المدينة إلى مواقعها المخصصة، ما يساهم بتنظيم النشاط الصناعي، وتخفيف الضغط عن الأحياء السكنية، وتحقيق تنمية اقتصادية منظمة.
وفيما يتعلق في حل تعثر المناطق الصناعية في (عرمتي – ديروتان، والكركيت – فدرة) أشار السالم إلى أن المديرية قامت بمشاركة لجنة من وزارة الاقتصاد والصناعة، وبمتابعة مباشرة مع الوحدات المحلية والجهات المعنية، بالكشف على واقع المناطق الصناعية في كل من (ديروتان – فدرة – الحفة – جبلة – اللاذقية) لدراسة واقعها وتذليل العقبات، المتعلقة بالتمويل وتأخير التنفيذ، ووضع مقترحات لدعم هذه المناطق، بهدف تفعيلها وتحقيق الاستثمار الصناعي فيها.
وفي مدينة جبلة، لا يزال ضيق المساحة يمثل التحدي الأكبر، حيث بيّن السالم أن هناك دراسة للتوسع المكاني للمنطقة الصناعية، أو تخصيص منطقة صناعية جديدة بالقرب من المدينة، كما يتم التنسيق مع الصناعيين لنقل الأنشطة إلى مناطق صناعية أخرى مهيأة لاستيعابهم.
المطلوب الإسراع بالتنفيذ
ونوه السالم بأن أهمية استكمال المناطق الصناعية، سيؤمن فرص عمل واسعة، ويدعم الاقتصاد المحلي ويعزز الإنتاج، مبيناً أن المطلوب الإسراع في التنفيذ، وتقديم تسهيلات لجذب المستثمرين، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص.
رغم وضوح الرؤية، إلا أن المعوقات تبقى حاضرة، فبحسب المهندس السالم: تتلخص التحديات في تأخر إنجاز البنية التحتية، وضعف التمويل أو اعتماده على مصادر محدودة إضافة إلى العقبات الإدارية والتنظيمية، وعدم توفر بعض الخدمات الأساسية.
بين الضجيج والانتظار
لا يختلف المواطنون في تقييمهم لواقع الورش والحرف المنتشرة داخل الأحياء السكنية، حيث يرى أبو مازن، أحد سكان حي الصليبة، أن الوضع الحالي يؤثر سلباً على جودة الحياة، الورش الميكانيكية والحدادة داخل الأحياء السكنية تسبب ضجيجاً مستمراً وتلوثاً بصرياً وبيئياً، نحن لا نريد قطع أرزاق أصحاب المهن، لكننا نطالب بنقلها إلى أماكنها المخصصة.
في المقابل، ينظر فادي أبو إبراهيم، صاحب ورشة نجارة، إلى المناطق الصناعية كـ “خلاص منتظر”، مبيناً إذا تم تجهيز المناطق الصناعية بالخدمات اللازمة، سننتقل فوراً، لأن وجود بيئة عمل منظمة يحمينا من المخالفات، ويفتح المجال أمام تطوير مهنتنا.
أما أبو رامي، فيلخص الموقف من زاوية اقتصادية اجتماعية، قائلاً: استكمال المناطق الصناعية وتوسيعها، سيعيد الحياة للحرف الصغيرة والمتوسطة، ويخلق فرص عمل للشباب، نحن بحاجة إلى بيئة حقيقية للإنتاج، لا مجرد أماكن مؤقتة داخل الأبنية السكنية.
الصناعة قاطرة التنمية الغائبة
ترى الخبيرة الاقتصادية ميساء محمود أن المناطق الصناعية، تمثل أداة استراتيجية لإعادة التوازن إلى الاقتصاد المحلي، موضحة أن نجاح المشروع لا يرتبط فقط بالبنية التحتية، بل بقدرة الدولة على إيجاد بيئة استثمارية جاذبة.
وأضافت محمود: المناطق الصناعية ليست مجرد أراضٍ مهيأة للإنتاج، بل منظومات اقتصادية متكاملة، نجاحها يعني إيجاد سلاسل قيمة إنتاجية جديدة، وتعزيز فرص العمل، وزيادة الناتج المحلي، مبينة أن المطلوب اليوم آلية تمويل مرنة، وتبسيط للإجراءات الإدارية، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص.
وأشارت إلى أن نقل الورش من داخل المدينة إلى مناطق صناعية متخصصة، سيسهم في تقليل الأعباء البيئية والعمرانية، ويوجد فرصاً جديدة للتوسع الصناعي المنظم.
من “الورش العشوائية” إلى “المنظومة المنتجة”
ولفتت الخبيرة الاقتصادية إلى أن المشروع يمثل نقلة نوعية في هيكلة النشاط الصناعي بالمحافظة، فاستكمال العمل في هذه المناطق يعني تحويل النشاط الصناعي من الطابع الفردي العشوائي إلى إنتاج منظم وقابل للنمو.
وتقدر مصادر اقتصادية أن تشغيل هذه المناطق بالكامل، سيؤمن آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويسهم في رفع الناتج المحلي الصناعي في المحافظة، بنسبة تصل إلى 15% خلال السنوات الثلاث الأولى من التشغيل، إذا ما استكملت البنية التحتية وجرى جذب المستثمرين بالشكل الكافي.
كما أن وجود هذه المناطق سيخفف الضغط عن المدينة، ويعيد توزيع النشاط الاقتصادي جغرافياً، ما ينعكس إيجاباً على توازن النمو بين الريف والمدينة.
ويؤكد خبراء محليون أن تجاوز هذه العقبات يتطلب خطة حكومية مرنة للتمويل، ودخول القطاع الخاص كشريك حقيقي في التنفيذ والإدارة، إلى جانب تبسيط الإجراءات البيروقراطية التي كثيراً ما تؤخر إنجاز المشاريع.
عصب الاقتصاد
بين ضجيج الورش داخل المدينة وصمت الأراضي الصناعية المتوقفة، تبدو اللاذقية على مفترق طريق اقتصادي، فإما أن تتحول هذه المناطق إلى محرك تنمية حقيقي، يدعم الإنتاج ويوفر فرص العمل، أو تبقى مشاريع على الورق تنتظر الاعتمادات.
لكن الأكيد أن الصناعة- كما يصفها الخبراء- ليست قطاعاً ثانوياً، بل عصب الاقتصاد، وخط الشروع لأي نهضة اقتصادية مستدامة تعيد للمحافظة مكانتها كأحد أهم مراكز الإنتاج في الساحل السوري.