المنطقة أبعد عن تنفس الصعداء.. دول «الخط المباشر» ما زالت في عين العاصفة.. ما العمل؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:

ما زالت المنطقة على الوضع المشدود نفسه، انتهت الحرب الإيرانية- الإسرائيلة وما زالت دولها غير قادرة على تنفس الصعداء، وهذا الوضع ينسحب على الجميع، سواء الدول الواقعة على خط الحرب المباشر، أي الدول البينية، العراق سوريا الأردن، أو الدول الأبعد قليلاً وهي دول أساسية ومعنيّة ولا يمكن إلا أن تكون في نطاق التداعيات والنتائج.

خمسة أيام مرت ما بعد إعلان وقف إطلاق النار (في 24 الشهر الجار)، لا مؤشرات عملية على إمكانية استئناف الحرب وإن كان الجميع يرى أن وقف إطلاق النار هش، وسيسقط عند أول اختبار، لكن هذا الاختبار لم يتواجد حتى الآن. قد يكون هناك من يمنع وجوده، أو يقع على عاتقه منعه، ونحن نتحدث هنا عن إدارة ترامب تحديداً، وسبق لترامب أن أعلن غير مرة أنه منع حدوث انتهاكات خطيرة لإعلان وقف إطلاق النار، خصوصاً من الجانب الإسرائيلي في أول يومين.

إذا كان ترامب يستطيع منع انهيار وقف إطلاق النار، أي منع تجدد الحرب، فهذا يعني أن مصير المنطقة، وأكثر من أي وقت مضى، متوقف على كلمة منه.

ظاهرياً، بدا أن ترامب استطاع فرض وقف إطلاق النار، وبغض النظر عما إذا كان ذلك صحيحاً أم أن عوامل أخرى تدخلت وساعدته على فرضه فإن الحرب لم تتجدد، واحتمالات تجددها تتقلص إذا ما استمرت إدارة ترامب في نهج احتواء «غضب إيران» والتوسط في سبيل تجديد التفاوض معها.

لكن المنطقة لا تبدو واثقة من استطاعة ترامب ضبط إسرائيل (واللوبي الصهيوني النافذ في واشنطن) على المدى الطويل، لذلك فإن بعض دولها تسعى ليكون لها دور وتأثير في سبيل تثبيت الضبط على المدى الطويل.

في التقارير الإعلامية خلال اليومين الماضيين، يتم الحديث عن مسودة مقترحات أولية، تم إعدادها في اجتماع أميركي- خليجي غير معلن حول تثبيت الضبط، ووفق التسريبات فإنه لا بد من العمل على خط إيران بصورة مكثفة والابتعاد عن نظريات المنتصر والمهزوم، درءاً للاستفزازات، خصوصاً لإيران.

مع ذلك فإنه من غير الواضح حتى الآن المسار المقبل، وكيف ستتم عملية الضبط خصوصاً على خط إيران، علماً أن الأزمة الرئيسية ليست إيران بقدر ما هي إسرائيل التي بدأت الحرب، وتواصل التهديد والوعيد.

بكل الأحوال ربما يجدر بنا العودة إلى نظرية «المنطقة سلة واحدة» لفهم الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، وأهدافها، ولفهم مسار العمل الأميركي للمرحلة المقبلة. فإذا كانت إدارة ترامب أعطت الضوء الأخضر لهذه الحرب فإن الأهداف في مداها الأبعد متعلقة بكل المنطقة، أي تثبيت النفوذ الأميركي على قاعدة المنطقة سلة نفوذ واحدة، لأميركا فقط وبصورة نهائية.

لا شك أن الحرب كانت ضربة كبيرة ناجحة لإدارة ترامب بغض النظر عن كل ما قيل عن أن إسرائيل نجحت في جرها إلى حرب مع إيران، وحتى إذا كان هذا القول صحيحاً فإن إدارة ترامب لعبتها بالصورة الصحيحة ودون أن تترك شوائب على خط إيران، لناحية إمكانية العودة إلى مربع التفاوض على قواعد جديدة، تبدو فيها إدارة ترامب وقد كسبت أوراقاً جديدة.

بكل الأحول، ماذا عن المنطقة في ظل المتداول حول أن تطورات دراماتيكية كبيرة ستحدث من الآن وحتى نهاية العام، خصوصاً في الملف الفلسطيني، ومسار التطبيع؟

على الأكيد أن دولاً دون غيرها ستكون في مقدمة التطورات، ورغم أننا في العراق نعتبر أن بلادنا في الموقف الأكثر حساسية بفعل علاقاتها مع إيران من جهة، ومع الخليج من جهة ثانية، واستضافتها لوجود عسكري أميركي من جهة ثالثة، إلا أن العراق يبدو أوسع فرصاً للخروج بأقل الخسائر أياً يكن اتجاه التطورات.. ذاك الموقف الأكثر حساسية يعطيه نوعاً من التوازن، وبعض قدرة على التأثير. أو بعبارة أدق، القدرة على الكسب في منعطفات معينة.

يدرك العراقيون أن التطورات الدراماتيكية في المنطقة قادمة لا محالة، ولا مجال لوقفها، فإذا كانت إيران نفسها، كقوة يُفترض بها إقليمية، تخشى الحرب وتتفاوض في سبيل تجاوز الأخطر، فإن العراق يتوجب عليه فعل الأمر نفسه، وهو ما تفعله كل دول المنطقة عموماً، ولكن بنسب مقدرة متفاوتة، وبنسب نجاح متفاوتة أيضاً.

هذا الحال هو ما يجعل المنطقة في وضع مشدود دائماً، ترقباً وتحسباً، مع الأخذ بالاعتبار أن لا فرص كبيرة، وأنه يجب استغلال المتاح، أي اللعب وفق قواعد تفرضها أميركا (وإسرائيل) في المرحلة الحالية، لتوسيع الفرص.

لذلك فإن سؤال «إلى أين تسير المنطقة؟» مرتبط بدولها بشكل أساسي. لا شك أن هناك الكثير مما يجري في الغرف المغلقة، بمعنى أن المستوى السياسي لكل دولة هو على بيّنة من المخططات القائمة، أو على الأقل في صورتها العامة، علماً أن الهدف الأميركي من وضع الدول في صورة المخططات ليس لاستقطابها بقدر ما هو المطلوب تعاونها في التنفيذ. ومع ذلك يمكن لدول المنطقة أن تجد فرصاً للكسب إذا ما اعتبرنا أن الإطلاع/المعرفة، هو نصف المعركة.

أما النصف الآخر، فهذا ستحدده مجريات الأيام المقبلة على خط طهران/واشنطن، والذي يتمظهر في أفعال إسرائيلية ينبغي مراقبتها، فهي المؤشر، وعليها يمكن البناء وفهم ما ينتظر المنطقة.

كاتب وأكاديمي عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار