المنطقة تزدحم برسائل التصعيد العسكري.. ماذا لو كانت دولة أخرى غير إيران على رادار الاستهداف؟

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية- مها سلطان:
خبر لافت نقلته أمس الخميس صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مفاده أن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أصدر أمراً باستدعاء مئات القادة العسكريين الأمريكيين رفيعي المستوى في أقصر وقت ممكن لحضور اجتماع (طارئ وغامض) في ولاية فرجينيا، الثلاثاء المقبل، دون الإفصاح عن تفاصيل.


ووفقاً لما نقلته واشنطن بوست عن مصادر في البنتاغون، فإن الأمر سيشمل تقريباً جميع الضباط برتبة لواء فما فوق، بما في ذلك القادة في مناطق الصراع حول العالم.
الخبر بلا شك يثير مستوى كبيراً من القلق، ومن الترقب الشديد لما يعنيه وما قد يقود إليه في المرحلة المقبلة. واعتبرت مصادر «واشنطن بوست» أن الاجتماع قد يرتبط بإعداد إستراتيجية جديدة للدفاع الوطني حيث تعدّ حماية الأراضي الأمريكية أولوية رئيسية.. أو قد يكون مرتبطاً بخطط لمزيد من تخفيض عدد القيادات العليا خصوصاً أن هيغسيث قام في الأشهر الأخيرة بمبادرات لإحداث تغييرات كبيرة في ملاك الموظفين، حيث أمر بتقليل عدد الجنرالات والأدميرالات بنسبة 20٪ على الأقل، وأقال بدون تفسير عدة قادة رفيعي المستوى بما في ذلك مدير وكالة استخبارات الدفاع.
لكن الاحتمال الأول يبدو الأكثر ترجيحاً، وهذا الترجيح يتركز بصورة أساسية في المنطقة حيث يزدحم المشهد بأخبار التصعيد العسكري، وحيث التركيز الأميركي شديد عليها في هذه المرحلة بهدف تسريع التطورات باتجاه حسم النفوذ ومراكز القوة وإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة.

رسالة أميركية لمن يهمه الأمر

الآن، هل يمكن اعتبار نشر هذا الخبر متعمداً كرسالة أميركية «لمن يهمه الأمر» بمعنى رسالة تهديد غير مباشرة، وعلى الطرف المعني فهمها وتعديل سلوكه على أساسها؟.. من هو هذا الطرف المعني؟.. هل يمكن حصر الرسالة الأميركية بإيران فقط خصوصاً مع اشتداد حالة التصعيد السياسي بينها وبين الترويكا الأوروبية (وأميركا من خلفها) على خلفية تفعيل آلية الزناد المرتقبة الأحد المقبل؟ (إعادة فرض العقوبات على إيران لعدم تعاونها في المفاوضات حول برنامجها النووي).
الثابت أن لا شيء يخرج مصادفة أو عبثاً من الكواليس الأميركية، ولكن هل أن إيران حصراً هي الطرف المعني؟.. ماذا عن أطراف أخرى في المنطقة؟.. الحوثيون في اليمن مثلاً. ماذا عن مصر؟.. الإعلام الإسرائيلي مزدحم بصورة خطيرة برسائل التهديد لمصر من باب أنها تشكل تهديداً عاجلاً لإسرائيل، وأنها تتسلح في سبيل حرب مقبلة حتمية مع إسرائيل. هذه الحرب تستدعي حضور أميركا باعتبار أن إسرائيل طرف رئيسي فيها، بل هي من سيكون الطرف المهاجم، تماماً كما سيكون الحال إذا كانت إيران هي الطرف المعني (وكما كانت في منتصف تموز الماضي عندما هاجمت إيران في حرب استمرت 12 يوماً).
تتعدد السيناريوهات، وبقدر ما تبدو مسارات المنطقة واضحة ، تبدو غامضة تحتمل وقوع مفاجآت، وتالياً مواجهات عسكرية بنتائج مفتوحة دون قدرة موثوقة على الحسم.
مع ذلك فإن التركيز الأساسي هو على إيران، وتصاعد احتمالات جولة ثانية من الحرب بينها وبين إسرائيل، وهي على الأكيد ستكون أوسع وأخطر من المواجهة الأولى.

التركيز على إيران

صحيفة «برافدا» الروسية، في تقرير مطول لها اليوم، عرضت لسيناريوهات التصعيد العسكري بين إيران واسرائيل، مشيرة إلى أن أغلب الخبراء يرجحون أن المواجهة المقبلة -إن وقعت- لن تقتصر على تبادل الضربات الصاروخية والغارات الجوية وهجمات الطائرات المسيّرة، بل قد تتجاوزها إلى عمليات برية واسعة.
وتنقل الصحيفة الروسية عن تقارير إعلامية أن إسرائيل أبرمت صفقة لشراء نحو 3250 آلية قتالية من الولايات المتحدة بقيمة 1.9 مليار دولار، في خطوة تعني مضاعفة قدراتها البرية أكثر من مرتين مقارنة بما كانت تمتلكه عند بدء عمليتها العسكرية في قطاع غزة خريف 2023، حين كان لديها نحو 1400 ناقلة جند مدرعة وعربة قتال للمشاة فقط.
غير أن قيمة الصفقة، تثير تساؤلات لدى محللين عسكريين يرجّحون أن الحديث لا يدور عن شراء مركبات قتالية متطورة، بل عن ناقلات جند مدرعة مزودة بحماية عالية ضد الألغام.
وحسب «برافدا» لا تتم مثل هذه الصفقات الضخمة في وقت واحد، بل تُنفّذ على مراحل تمتد سنوات، وأن مجرد إبرامها يعكس بوضوح مضيّ إسرائيل في نهج عسكرة شاملة دون نية للتراجع.
وتقول الصحيفة الروسية: الأرقام آنفة الذكر تشير إلى استعداد إسرائيل لتعويض خسائر كبيرة في منظوماتها المدرعة، في ما يبدو استعداداً لخوض مواجهة واسعة النطاق في المستقبل القريب.
وفيما يتعلق بتهديدات الصواريخ والطائرات المسيّرة، تؤكد إسرائيل أنها أتمّت مراجعة شاملة لأدائها الدفاعي وأن منظومة الدفاع الجوية لن تعتمد بعد اليوم على «القبة الحديدية» وحدها، بل سيتم تعزيزها بأنظمة دفاعية جديدة، من بينها أسلحة الليزر القتالي.
وتضيف: من المعروف أن القصف الجوي وحده لا يحسم المعارك وأن أي انتصار حاسم يتطلب عملية برية.
غير أن إسرائيل، تنفذ حالياً عملية برية واسعة في قطاع غزة، ما يطرح تساؤلات عن قدرتها على خوض مواجهة برية ثانية ضد إيران، خصوصاً أن الطريق إلى هناك يمر عبر الأراضي السورية والعراقية.

سوريا والعراق

وترى الصحيفة أن تل أبيب قادرة على التوصل إلى تفاهمات مع بعض الفصائل في سوريا، ولا سيما بعد تراجع نفوذ القوات الموالية لإيران هناك.
أما في العراق، فيبدو المشهد أكثر تعقيداً؛ إذ لا تزال الفصائل المسلحة الموالية لإيران تحتفظ بوجود مؤثر على الأرض، في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة تشغيل قواعدها العسكرية هناك بوجود لا يتجاوز 2500 جندي.
وتشير تقارير أخيرة، وفقاً لبرافدا، أن واشنطن بدأت بنقل جزء من قواتها شمالاً إلى إقليم كردستان العراق، غير أن وزارة الحرب الأميركية تصف هذه الخطوة بأنها إعادة انتشار مؤقتة وليست انسحاباً كاملاً.
وذكرت الصحيفة أن الملف العراقي يمثل تحدياً معقداً أمام إسرائيل، ويبدو أن تل أبيب بدأت بالفعل باتخاذ خطوات ميدانية في هذا الاتجاه، فقد شرعت القوات الجوية الإسرائيلية بتنفيذ ما يُعرف بـ«طلعات التطبيع» عبر الأجواء العراقية باتجاه الحدود الإيرانية.

طلعات «التطبيع»

وتعني «طلعات التطبيع» هذه، حسب الصحيفة الروسية، أن تقترب الطائرات القتالية من الأجواء الإيرانية قبل أن تعود أدراجها، في نشاط يشبه الاستطلاع القتالي لكشف مواقع الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي الإيرانية، وربما استفزازها لإطلاق النار.
وتضيف: لهذه الطلعات بعد نفسي أيضاً، إذ يُراد منها تعويد طهران على حضور الطائرات الإسرائيلية في سمائها القريبة وإشعارها بأن هذه التحركات باتت أمراً اعتيادياً، بما قد يؤدي إلى تراجع حالة الاستنفار على المدى الطويل.
وتتزايد المؤشرات، على تصاعد التوتر في العراق والمنطقة عموماً؛ ففي الأول من أيلول الجاري كُلّفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية بتشكيل احتياطات إستراتيجية من الغذاء والدواء تحسباً لأي طارئ.
وفي تركيا، أصدر الرئيس رجب طيب أردوغان توجيهات ببناء ملاجئ في كل واحدة من الولايات الـ81 خلال مهلة لا تتجاوز 120 يوماً على أن تُجهّز بما يكفي من المؤن لمدة 21 يوماً.
كما تتداول الأوساط الإقليمية شائعات تفيد بأن الولايات المتحدة منحت إسرائيل ضوءاً أخضر لتنفيذ ضربات ضد الفصائل الموالية لإيران داخل الأراضي العراقية.

رسالة روسيّة

وأشارت «برافدا» إلى زيارة أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى العراق الأسبوع الماضي، واعتبرتها زيارة لافتة، فهي غير مألوفة في توقيتها ومستواها، إذ نادراً ما تشهد بغداد استقبال مسؤولين روس بهذا الوزن، خصوصاً في فترة تتسم بتصاعد التوتر الإقليمي.
إنها رسالة روسية موجهة إلى أميركا والغرب بأن موسكو لن تقف هذه المرة موقف المتفرج.
ماذا يعني ذلك؟
الأيام القليلة المقبلة قد تحمل لنا إجابة من نوع ما.

Leave a Comment
آخر الأخبار