المنطقة على وقع «آلية الزناد».. إيران تتجرّع كأس العقوبات مجدداً

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
ماذا بعد تفعيل «آلية الزناد» وعودة إيران إلى دائرة العقوبات المُحكمة ابتداءً من مساء اليوم السبت؟ هل سيتوقف سياق التصعيد بين إيران والغرب عند تفعيل هذه الآلية، أم إنها تنطوي على تمهيد لضربات عسكرية جديدة ضد إيران ستكون هذه المرة أوسع وأخطر من الضربات الأولى التي نفذتها “إسرائيل” منتصف تموز الماضي؟ هل لا يزال الباب مفتوحاً أمام مفاوضات جديدة، أم إن هذا الباب أُغلق كلياً بما يدعم توقعات العمل العسكري ضد إيران؟
وحتى نحصل على إجابة أو نستشف نوعاً من الإجابة، كيف سيكون رد فعل إيران، وعلى أي مستوى؟
بداية، استدعت إيران سفراءها لدى دول الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) لإجراء مشاورات عاجلة، رداً على ما وصفته بـ«التصرف غير المسؤول» من جانب هذه الدول الثلاث، بعد رفض مجلس الأمن – في جلسة له أمس – مشروع قرار روسي-صيني لتمديد رفع العقوبات عن إيران لثلاثة أشهر، مؤكدة أن إيران التزمت ببنود الاتفاق النووي على أساس وعود أوروبية لم تتحقق.
ووفق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال جلسة مجلس الأمن، شكّل انسحاب واشنطن من الاتفاق (في ولاية ترامب الأولى) خيانة للدبلوماسية، فيما قامت الدول الأوروبية الثلاث بدفن الاتفاق، ما اضطر إيران إلى تقليص التزاماتها وفق حقوقها القانونية، متهماً الأوروبيين باختيار المواجهة بدل الحوار.
ولم تتردد إيران في التطرق إلى «الزاوية» التي وجدت نفسها محشورة فيها، مع قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتخييرها بين تجميد آلية الزناد وبين تسليم كل «اليورانيوم المخصّب لديها».. وهذا أمر لن تقبله إيران، وفق رئيسها مسعود بزشكيان، موضحاً أنه «في حال تفعيل آلية الزناد، فقد تم اتخاذ الترتيبات اللازمة، وبما أن الشعب الإيراني يؤمن ببلده وسيادته ووحدته وكرامته وعزّته، وبالإضافة إلى العلاقات التي تربطنا بالجيران ودول مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، فسوف نتجاوز هذا الوضع». وقال: إذا كان علينا الاختيار بين مطلبهم غير المنطقي وآلية الزناد، فإننا سنختار آلية الزناد، ومع وجودها سنتعامل مع كل مشاكلنا.
وسبق لترامب أن تحدث عن تواصله مع إيران قبل أيام من جلسة مجلس الأمن أمس، وأن التواصل كانت نتيجته سلبية، حيث إن إيران تمسكت بمواقفها، بل هددت أيضاً باستهداف المصالح الأميركية.
وترى إيران أنها لا يمكن أن تخضع للضغوط أو التفاوض، فيما أميركا «تُخلّ بالوعود وتكذب وتلوّح بالتهديد العسكري»، وفق المرشد الأعلى علي الخامنئي الذي أكد عبر منصة «أكس» على «استحالة التفاوض مع واشنطن أو الوثوق بها لإبرام أي اتفاق».
هل يعني هذا أن ترامب هدد إيران بعمل عسكري جديد، وأن إيران لم تستجب، وبالتالي تم الاتجاه إلى مجلس الأمن لإعادة فرض العقوبات التي تعني عودة إيران إلى العقوبات تحت الفصل السابع، بما يعني أن أي عمل عسكري ضدها سيكون تحت غطاء دولي هذه المرة؟ هل هذا هو الهدف الأميركي، على اعتبار أنه كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق بين إيران والترويكا الأوروبية لولا الولايات المتحدة، التي أقفلت كل أبواب التوصل إلى اتفاق، وصولاً إلى دخول آلية الزناد حيّز التنفيذ اعتباراً من مساء اليوم، بعد عشر سنوات من تعليق العقوبات؟

لنعد إلى السؤال: ماذا الآن بعد تفعيل آلية الزناد، وهل باتت الكرة فعلياً في ملعب إيران؟
حتى الآن، ليس هناك إجابة شافية، خصوصاً أن دول الترويكا لم تعلق أو تصرّح بعد جلسة مجلس الأمن، ومثلها واشنطن، هذا يدفع إلى مزيد من الغموض والشكوك في آن، حول ما يمكن أن يحدث في المرحلة المقبلة أو ما يتم التخطيط له، لنذكر هنا أن “إسرائيل” تواصل التصعيد والتهديد ضد إيران، لدرجة تبدو معها وكأن تجدد الحرب بينهما قاب قوسين أو أدنى.

ما هي العقوبات التي ستعود؟

تشمل عقوبات «آلية الزناد» حظر الأسلحة التقليدية الذي تفرضه الأمم المتحدة، والقيود على الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل الأسلحة النووية، وحظر تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وتجميد الأصول العالمية، وحظر السفر على الأفراد والكيانات الإيرانية. وإلى جانب استهداف برامج إيران النووية والصاروخية، ستؤثر العقوبات أيضاً على صناعة النفط الرئيسية في طهران، والنقل والشحن، والقطاعين المالي العقوبات إلى الإجراءات العقابية الحالية ضد إيران، كان ترامب خلال ولايته الأولى قد انسحب في عام 2018 من الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات مُشلّة قيّدت اقتصاد إيران وصادراتها النفطية، وفيما قلّل مسؤولون إيرانيون من تأثير عودة العقوبات، أكد خبراء أن العقوبات المتجددة ستزيد من معاناة إيران على عدة جبهات.

اقتصادياً، ستُفاقم الأوضاع الداخلية، لا سيما في ظل استمرار تدهور العملة، وانخفاض عائدات النفط التي تعتمد على بيع أكثر من 90% من صادراتها إلى الصين بأسعار مخفّضة. العقوبات قد تُضعف موقف طهران التفاوضي مع بكين، ما يُشكّل ضغطاً غير مباشر على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من التضخم والبطالة وسوء الإدارة.
سياسياً، يبدو أن إيران تتّبع نهج «التصعيد المحسوب» عبر التهديد بتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو اختبار صواريخ باليستية تتجاوز مداها المحدد ذاتياً. لكنها في الوقت نفسه ستحاول تجنّب الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما يدل على أن طهران لا تزال تسعى لإبقاء باب الدبلوماسية موارباً، كما أن هذا النهج يتيح لإيران تحسين موقعها التفاوضي مستقبلاً دون الانزلاق نحو الحفاظ على ورقة الضغط النووي كورقة ردع استراتيجي يمكن تفعيلها في حال تدهورت الأوضاع كلياً.
بكل الأحوال، وبانتظار إجابات على مجمل ما يُطرح من أسئلة حول المرحلة المقبلة، خصوصاً أن أي تطورات في إيران تنعكس بصورة مباشرة على كل المنطقة، فإن إعادة تفعيل العقوبات هو نقطة تحول جديدة لإيران، تماماً كما كان الاتفاق النووي عام 2015، لكن الفارق اليوم هو حرب الـ12 يوماً بينها وبين إسرائيل، كانت هذه الحرب نقطة فاصلة، ما قبلها ليس كما بعدها. أميركا كانت حاضرة بصورة مباشرة.. وعليه، فإن إيران اليوم على مفترق طرق، وهي تعي هذه المسألة جيداً، وتضعها نصب عينيها في أي تصرف مستقبلي.
أما أميركا والترويكا الأوروبية، فلا يبدو أنهما ستضيعان الوقت، بل ستسعيان للاستثمار في الفرصة المتاحة، ليس إيرانياً فقط، بل على مستوى المنطقة التي تغلي وتتخبط «على غير هدى».. في المرحلة القريبة المقبلة، قد نكون أمام مشهد أخير، ولا يبدو أنه سيكون تفاوضياً. هذا المشهد الأخير لن ترسمه المفاوضات، وإنما الحرب، إلا إذا كانت هناك تنازلات.. وبالمحصلة – بالنسبة لإيران – هذه التنازلات لا تختلف في نتائجها عن نتائج العمل العسكري الذي يرسم خريطة جديدة للمنطقة جيو-سياسية على قاعدة جيو-اقتصادية ستدفن الخريطة الحالية كلياً.

أكاديمي وكاتب عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار