الحرية- جواد ديوب:
هو شابٌ طموح وجريء لجهة أنه جمع بين يديه عدة اختصاصات تبدو متباعدة (تقنيات طبية وموسيقا)، مؤلفُ كلماتٍ وعازفُ بزق تولد عام (١٩٩٧) وخرّيج المعهد العالي للموسيقا بدمشق… أظهرَ عملَهُ الموسيقي المتكامل “يوميّات” إلى نور الابتهاج بما أنجزه بعد أيام طويلة من التعب والاهتمام بالتفاصيل.
الظروف القاسية
* نسأله: أسميتَ عملَكَ الجديد ب (يوميات).. كيف استوحيتَ العنوان، وهل مضمون الأغنيات تشير إلى الأعمال الاعتيادية التي تخصك وحدك أم تلك الأعمال الروتينية التي يتشابه بها الناس في عاديّاتهم أم هي يوميات/ ذكريات فترة الحرب أم ماذا بالضبط؟!
** يقول لجريدة (الحرية): “بالنسبة لاسم الألبوم فأنا استوحيته من الأعمال التي تخص كل السوريين خلال الحرب وليس بالمعنى الروتيني الممل فقط؛ إنما تلك الظروف القاسية التي أرهقت الناس على اختلاف شرائحهم وبكل الجوانب: من نقص الماء، إلى الفساد المرعب، إلى انتشار تجار الأزمة وأمراء الحرب، وصولاً إلى الهجرة والتهجير عبر البحر والبر… إذاً هي يوميات السوريين لكن ليس بالمعنى العابر والزائل إنما تلك اليوميات التي حفرت في أعمارهم وأجسادهم وأرواحهم.”
احتكار للأدوار أم ثقة بالقدرات!
* كتبتَ بالتقديم للأعمال أنك: مؤلف الكلمات ومؤلف الألحان والعازف والمغني… لماذا هذا (الاحتكار) للأدوار كلها، هل هو عدم ثقة بالعازفين والملحنين الشباب زملائك أم رغبة منك في جعل أغنياتك منسجمة في روح واحدة تشبهك؟!
** التوصيف بكلمة (احتكار) ربما يكون غير دقيق أو ربما يصح فيما لو كنتُ أنا شركة إنتاج واحتكرتُ كل ما ومَنْ ذكرتَهم… لكن الفكرة هي أنني أجد في نفسي المَلَكة والقدرة لصناعة أغنية متكاملة، بدءاً من تأليف الكلمات مروراً بالتلحين وصولاً للتوزيع الموسيقي الذي صقلته بدراستي الأكاديمية في المعهد العالي للموسيقا.. وهذا كله لا علاقة له بانعدام الثقة بزملائي وأصدقائي الموسيقيين الذين تعاونت مع بعضهم، فهناك مثلاً صديقي (أمجد الحايك) اختصاص غيتار؛ وهو عازفٌ وموزعٌ موسيقي لواحدة من أغنيات (يوميات)، وهناك (أليسار مسعود) مغنية أوبرالية في المعهد العالي للموسيقي غنّت معي أغنية بعنوان (ولا طلعة)… إذاً المسألة بدقّة هي إيماني العميق بقدراتي الموجودة فعلاً والتي أرغب من خلالها صناعة أغنية سورية منسجمة بروح واحدة تشبهني وتشبه أفكاري عن المشروع ككل، وهذا اصلاً شبه معدوم في العالم العربي أقصد وجود شخص هو بذاته له مشروعه المتكامل الاحترافي الأكاديمي لصناعة الأغنية من ألفها إلى يائها وتكون أيضاً ذات قيمة فنية وفكرية غنية تحترم عقول الناس! … وهذا ما أحاول تنفيذه بكل ثقة ومن دون التقليل من شأن الآخرين الذين قد يمتلكون إمكانيات ومواهب مميزة لكن رؤيتهم للعمل لا تنطبق أو لا تتشابه مع رؤيتي والتفاصيل الناعمة المتشابكة في عقلي حول الموضوع.
أسلوبٌ ساخر!
* لماذا كانت النكهة أو الأسلوب الكوميدي هو الطابع الغالب على هذه الأغنيات كما أخبرتني في الدردشة… هل سببُ ذلك هو تأثرك بتجربة زياد الرحباني أم بطقطوقات السيد درويش أم بالشيخ إمام ونقده السياسي… أم بكل تلك التجارب العظيمة؟
** بالنسبة للنكهة او الأسلوب فقد اخترتُ طرحَ مواضيع ألبومي بالأسلوب الساخر (وليس الكوميدي إذ ليس من مهمتي إضحاك الجمهور)… إذاً بشكل ساخر لأن هذا الأسلوب أثبت جدارته تاريخياً في إيصال المطلوب للجمهور، ولأنني وجدتُ أن الناس كلهم صغاراً وكباراَ، رجالاً ونساء، وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية يتقبلون طرحَ مواضيعَ حساسة وشائكة بشكل سلس عبر هذا الأسلوب الساخر طبعاً من دون نخبوية أو طرح جامد… ولأن ذاك أيضاً يجعلُ الإنسانَ يبتسم أو يضحك مثلاً على خيباته ومشاكله وعلى شكل حياته التي عاشها، وتجعله الابتسامةُ أكثرَ تقبلاً للنقد الموجود في قلب القصة المغنّاة… أما بالنسبة لمن ذكرتهم من الموسيقيين العظماء فبالتأكيد هم علامات بارزة أثروا بي وبأجيال من الموسيقيين، بل بأجيال من الجمهور… لكن بصراحة أقول إن عملي ومشروعي لا يشبه أعمالهم وليس فيه أي تقليد لهم!
محطاتٌ شخصية!
* هلّا تعطينا لمحة موجزة عنك؟
** درستُ بدايةً في المعهد التقاني الطبي/اختصاص شعاعي، واشتغلتُ في هذا المجال فترة من الزمن لأتمكن من توفير أسباب الحياة وتكاليف دراستي في المعهد العالي للموسيقى، كما درستُ ترجمة لغة انكليزية، ولكنني تفرغت للموسيقا بكامل روحي وشغفي وجهدي لأترك بصمةً في هذا المجال، أما في عزف البزق فكانت جولاتي متواضعة في عدة مراكز ثقافية وعلى عدة مسارح محلية، وفي بعض الأوقات قمتُ بتدريس آلة البزق..
لكن مشروعي الشخصي في (صناعة الأغنية السورية) أخذَ طاقاتي كلها منذ اكتمال فكرة المشروع عام (٢٠٢١) مع العناية بأدق التفاصيل وأوسعها، مروراً بتنفيذ الفكرة عبر حصولي على منحة مالية عام 2023 من مؤسسة “اتجاهات ثقافة مستقلة” ضمن برنامج “مختبر الفنون”، حتى اليوم مع بدء نشر أغنيات ألبوم (يوميات).