الحرية- لبنى شاكر:
رغم الحصانة الظاهريّة والمُفترَضَة لحياة الإنسان الخاصة، إلا أن بحثاً لِما آل إليه الواقع الإلكتروني العام والتقنيات المُرافقة لأيٍّ منا في البيت والعمل ومُختلف الأماكن العامة، يُظهر استهانةً واضحةً بما يُسمى أسراراً أو خصوصية، واختراقاً واسعاً لكل ما هو شخصي، بدءاً من البيانات والمعلومات الذاتية، وصولاً إلى المعتقدات والآراء والانتماءات والذوق العام، ولهذا يُحسب للإعلان الدستوري الجديد الناظم للحياة الدستورية للبلاد، التفاته إلى ضرورة صون الحياة الخاصة ومُعاقبة التعدي عليها، بمعنىً آخر احترام ما يجعل كلاً منا شخصيةً مُستقلّة.
الحياة الخاصة للفرد كما تُجمع عليها الأعراف والقوانين، هي حريته في اختيار أسلوب حياته الشخصية بعيداً عن أي تدخل
الحياة الخاصة
لِنتفق بدايةً على أن الحياة الخاصة للفرد كما تُجمع عليها الأعراف والقوانين، هي حريته في اختيار أسلوب حياته الشخصية بعيداً عن أي تدخلٍ، ودون أن يكون في استطاعة الآخرين الاطلاع على أسرارها أو نشر هذه الأسرار بغير رضاه، ونطاق ذلك يمتد إلى كل ما يتعلق بحياته (العائلية، المهنية، الصحية، العاطفية، دخله، معتقداته الدينية، الفكرية، السياسية، مراسلاته، جميع المظاهر غير العلنية في الحياة العملية للفرد)، وكل ما يرغب في جعله مُضمراً أو مخفياً عن الآخرين.
صور الاعتداء
ومن صور الاعتداء على هذه الحياة الخاصة مثلاً، التقاط أو نشر صورةٍ لشخصٍ يوجد في مكانٍ خاصٍ به، لا يرتاده إلا المسموح لهم بذلك، كالبيت والمكتب، ولا يُشترط للتعاطي مع هذا الفعل كجريمة، أن تكون صورة المجني عليه المنشورة أو المُلتقطة له في وضعٍ يُخجله أن يطلع عليه الناس، لأن الحماية هنا هي حرمة الحياة الخاصة وليس شرفه واعتباره فقط. وفي السياق ذاته شددت القوانين على أن استخدام التقنيات في التعدي على الآخرين من خلال منع نشر أخبارٍ تمس الحياة الخاصة للفرد حتى وإن كانت صحيحة، حيث تُعد انتهاكاً يُوجب العقوبة.
أي تعرضٍ للحياة الخاصة وبأي وسيلةٍ كانت، هو اعتداءٌ مٌجرّم ويستوجب العقاب
وفي عوالم شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً، أصبح الحصول على المعلومات الخاصة بالمُستخدمين سهلاً، ومن ثم يُمكن استخدامها في أغراضٍ غير مشروعة، أو حتى لارتكاب جرائم مثل الابتزاز والاختطاف، والتي تتشعب نحو الاستغلال الجنسي والاحتيال المصرفي وغير ذلك من الجرائم. والمُفارقة في هذا المجال إن هذه الشبكات والعديد من تطبيقات التعارف والتواصل وما شابه، والتي يظن الناس أنها عالمٌ مثاليٌّ يتفاعلون فيه بشكل ودي واجتماعي، ويتبادلون الصور وتفاصيل حياتهم اليومية، هي مصدر خطرٍ لا محدود، وبوابةٌ مفتوحةٌ على الحياة الشخصية.
في الدستور
الإعلان الدستوري الجديد لعام 2025 تحدّث عن حرمة التعرض للحياة الخاصة، في صلب المادة (١٣) من الدستور ضمن فقرتها (١) والتي جاء فيها (تصون الدولة حرمة الحياة الخاصة، وكل اعتداءٍ عليها يُعد جرماً يُعاقب عليه). وهنا يوضح المحامي والباحث في مجال مكافحة جرائم المعلوماتية فادي الرحال لـ “الحرية” إن أي تعرضٍ للحياة الخاصة وبأي وسيلةٍ كانت، هو اعتداءٌ مٌجرّم ويستوجب العقاب نظراً لحساسية الحق المُعتدى عليه ولأهميته، يقول أيضاً: “مفهوم حرمة الحياة الخاصة من الحقوق الأساسية اللصيقة والملازمة للإنسان، ومن ثم فإن تكريس مبدأ تجريم التعرض للحياة الخاصة هو مبدأٌ مهمٌ لجميع المواطنين، يزرع الطمأنينة في نفوسهم بأن الدولة تهتم لخصوصيتهم وتسعى جاهدةً للحفاظ عليها من عبث العابثين”.
الدساتير السابقة في عهد النظام البائد حاولت التأكيد على حرمة الحياة الخاصة، لكنها كانت كلماتٍ بلا تطبيق
كلمات بلا تطبيق
يُضيف الرحال “الدساتير السابقة في عهد النظام البائد حاولت التأكيد على حرمة الحياة الخاصة، فتحدثت عن الخصوصية في قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022، والتي تعني حق الفرد في حماية أسراره الشخصية أو الملاصقة للشخصية أو العائلية أو مراسلاته أو سمعته ونشاطاته على الشبكة، لكنها كانت مُجرّد كلماتٍ بلا تطبيق، وشعاراتٍ بلا تنفيذ، حيث إن هذه الحياة الخاصة كانت تسقط عندما تظهر أنياب الأفرع الأمنية المستبدة، الحريصة على ترسيخ حكم النظام البائد بغض النظر عن أي حقٍ وأي قانونٍ أو حتى دستور”.
تفعيل الجهات الرسمية
ويأمل الرحال أن تضمن المرحلة القادمة، حماية الخصوصية بشكل كامل بعيداً عن أي تعدٍ أو انتهاك من أي عابث أو خارج عن القانون، مؤكداً ضرورة الإسراع بتفعيل وحدة مكافحة جرائم المعلوماتية كجهة رسمية تُعتبر صمام الأمان في حماية الخصوصية عبر الشبكة العنكبوتية ومنع انتهاكها، بما في ذلك الإسراع بإعادة النظر بقانون مكافحة جرائم المعلوماتية ووضع قانونٍ جديد يُناسب المجتمع السوري ويحميه من أي اعتداءٍ قد يُرتكب عبر الشبكة العنكبوتية.