النادي الموسيقي في اللاذقية ذاكرة تجدّد نفسها عبر الأجيال

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:

لم تكن ذكرى اليوبيل الماسي للنادي الموسيقي مجرد مناسبة عابرة، بل محطة لإعادة قراءة تاريخ طويل صاغ ملامح الحياة الفنية في اللاذقية، فبعد انتهاء الاحتفالية التي تزامنت مع الاحتفالات بعيد التحرير باللاذقية، بقيت شهادات رواد النادي وأبنائه تضيء على قيمة هذا الصرح، الذي شكل وجدان المدينة لعقود، وأعاد تثبيت حضور الموسيقا كجزء من هويتها.

سبعون عاماً… ومسيرة لا تزال تتقد

منذ تأسيسه عام 1950 على يد شخصيات بارزة مثل الباحث جبرائيل سعادة والموسيقار محمود عجان، اتخذ النادي الموسيقي لنفسه دوراً يتجاوز تعليم الموسيقا، ليصبح مركزاً لصناعة الذائقة الفنية في المدينة.

رئيس النادي، المايسترو حسن طحان، يؤكد لـ“الحرية”: من هذا المكان تخرج مئات الفنانين، بعضهم أصبحوا أسماء لامعة، واستمر النادي حاضراً في المشهد الفني والاجتماعي منذ لحظة تأسيسه.

ويرى طحان أن العودة لذكرى اليوبيل الماسي اليوم هي استحضار لرحلة طويلة من العطاء، تولى الكاتب والمخرج والإعلامي الياس الحاج صياغة رؤيتها وتوثيقها.

أغنية لا تزال تتردد

الفنان التسعيني إبراهيم كفا، أحد الأصوات المميزة في تاريخ اللاذقية، يختصر مسيرته بالقول: كنت مرتلاً رئيسياً في كنائس المدينة، وأُشيد بصوتي كثيراً، وقدمت أكثر من خمسين أغنية من تأليفي وتلحيني.

ويصف النادي الموسيقي بأنه “هرم فني لا يزال شامخاً”، معتبراً أن التكريم الذي ناله في ذكرى اليوبيل الماسي، كان بمثابة إضاءة جديدة على تجربته الطويلة.

موسيقا نشأت على ضفاف البحر

يجمع القبطان عبد الواحد عابدة بين مهنة البحر وشغف عميق بالموسيقا، ويستعيد بداياته قائلاً: دخلت النادي وأنا طفل، وتعلمت على يد أساتذة كبار، منهم المبدع حسن طحان.

برحلاته بين مصر واللاذقية، حمل عابدة موسيقاه إلى جمهور واسع، فيما يواصل أولاده اليوم التعلم في النادي نفسه، وكأن السيرة الموسيقية أصبحت امتداداً عائلياً

 

الانتماء إلى المعلم الأول

يرى الفنان جورج نمر أن النادي كان نقطة الانطلاق، التي مهدت له طريق الانتشار: تعلمت الكثير من جبرائيل سعادة، ولا أنسى فضل المؤسسين الذين صاغوا بداياتنا.

وقال: إن التكريم الذي رافق ذكرى اليوبيل الماسي بالنسبة إلي، هو دليل على أن العطاء لا يضيع، فحين يعترف مجتمعك بعملك، فهذا يعني أنك تركت أثراً حقيقياً.

صوت نسائي وجد منبره

بصفتها مسؤولة الإدارة في كورال حنين اللاذقية، تصف المحامية إنجي أبو دبوسة، الدور الذي لعبه النادي في دعم حضور المرأة في المشهد الموسيقي، مبينة أن النادي فتح أبوابه للسيدات السوريات للحفاظ على تراثنا، وكانت رعاية المايسترو طحان أساساً في بناء الكورال.

ولفتت إلى أن النادي كان وما زال مساحة فنية آمنة، تمنح النساء فرصة للتعبير والتطور.

تكريم يعادل مسيرة مدينة

شمل التكريم حوالى 300 شخصية فنية من داخل سوريا وخارجها، من موسيقيين ومطربين وممثلين وأعضاء كورال حنين.

ويقول أحد مؤسسي النادي الموسيقار زياد عجان: إن فكرة اليوبيل الماسي، جاءت بمبادرة من المايسترو طحان والكاتب الياس الحاج، لتكون لفتة تقدير لكل مَن شكل حجر أساس في مشهد اللاذقية الفني، مع مشاركة أسماء كبيرة مثل جرجس جبارة وعبد الله شيخ خميس وتولادي هارون وغيرهم كثر، ومن المغنين برهان قصير، جورج نمر، مصطفى يوزباشي، وأحمد شريف، وأعضاء من النادي وفرق من الكورال.

وأضاف: الملفت أن التكريم جاء لتثبيت مقولة التكريم للأحياء، أجمل وله رونق خاص والمكرمون على قيد الحياة، وأن اختيار زمن اليوبيل الماسي للنادي الموسيقي متزامناً مع احتفالات اللاذقية بعيد التحرير، أضاف رونقاً آخر.

الذاكرة الحية

لا تبدو ذكرى اليوبيل الماسي مجرد حدث مر وانتهى، بل صفحة جديدة أُعيد فتحها في دفتر المدينة، فالنادي الموسيقي، الذي انطلقت منه أصوات كثيرة، لا يزال اليوم بمثابة الذاكرة الحية، التي تحمل نبض المكان. ومع تنوع الأجيال التي مرت فيه، يظل هذا الصرح شاهداً على أن الموسيقا ليست فناً فقط، بل هوية تتجدد مع كل صوت ينتمي إليها.

Leave a Comment
آخر الأخبار