الحرية- وليد الزعبي:
منذ القدم قذفت الطبيعة حممها البركانية في حوران منتجةً الحجر البازلتي على مساحات شاسعة، فكان على مدى عصور خلت وإلى الآن رمزاً من رموز تراثها، إذ شكّل وفق ما ذكر رئيس دائرة آثار درعا الدكتور محمد خير نصر الله المكوّن الأساسي في بناء أوابدها ومعالمها الأثرية من قلاع ومدرجات ومسارح وجوامع وكنائس وطواحين ومحطات قطارات وجسور ومساكن وغيرها.
وأكد رئيس الدائرة في تصريح لـ «الحرية» أن استعمال الحجر البازلتي لم يكن بشكل اعتباطي، بل تم تشذيبه ونحته من الحجارين بطرق فنية متقنة تتناسب مع استعمالاته في أعمال البناء سواء للجدران أو الأسقف والأرضيات أو الربذان والأقواس والأعمدة والتيجان والواجهات، حيث تمكن سكان المنطقة بالرغم من كبر حجمه وثقل وزنه من تطويعه وتشكيله بالنحت حتى بدا بجمالية تسحر الأبصار.
وأشار إلى أن المنحوتات البازلتية في جنوب سوريا ذات طابع محلي وخصائص فنية شرقية تثبت تطور فن النحت في حوران مع تأثره النسبي بالخصائص والقواعد الإغريقية والرومانية، حيث اتسم بصفات ومميزات جعلته يتميز عنها، ما أدى إلى ظهور مفهوم فن النحت الحوراني البحت.
وتعزز ذلك بفضل العدد الكبير من المنحوتات والتشكيلات المعمارية والقطع المدفنية المزخرفة، مثل التوابيت الحجرية أو أبواب المدافن التي ما زالت باقية في منطقة اللجاة وسهل حوران الخصب. علماً أن الزخارف المنحوتة على واجهة التشكيلات الحجرية المعمارية تنوعت بين تمثيل الإنسان والنباتات وكذلك الحيوانات وبعض الأدوات، إضافة إلى نقش كتابات لاتينية ويونانية وإسلامية تدل على هوية الأبنية التي شُيدت في العصور الماضية.
ويحوز متحف درعا الوطني على العديد من القطع الأثرية المشغولة بعناية من الحجر البازلتي، مثل الرانات والمسلة الفرعونية والأعمدة والتيجان وأدوات الطحن والأواني وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أن الأهالي أخذوا يستعملون الحجر البازلتي الذي يتوافر بكميات كبيرة في جنوب سوريا بديلاً عن حجر التلبيس الصناعي والرخام، والذي يكون أملس من الداخل ومدبباً أو مزخرفاً من الخارج. وهو مرغوب لكونه، إضافة إلى الجمالية التي يضفيها على البناء، يتمتع بالمتانة ويحقق العزل الذي يقي من الحرارة والرطوبة. كما استخدموه أيضاً في صناعة نوافير الماء وأحواض مزروعات الزينة وكذلك مغاسل المنازل، وبالمقارنة، فإن تكلفة الحجر البازلتي تعد أقل من أمثاله من الرخام أو الغرانيت.