الحرية – بشرى سمير:
شكّلت الأزمات المتلاحقة في سوريا، على مدار السنوات الماضية محفزاً قسرياً لإعادة تشكيل الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للعديد من الفئات، لاسيما المرأة، وفي معترك هذه التحولات ظهر دور المرأة السورية بوضوح في قطاع عقاري حيوي، تجارة العقارات من بيع وشراء كظاهرة لافتة، تجمع بين التحديات الاجتماعية والاقتصادية الجسيمة وبين فرص حقيقية للتغيير والتمكين الاقتصادي للمرأة. يمثل هذا القطاع ساحة جديدة للنضال النسوي، حيث تواجه الشابات تحديات فريدة بينما يحاولن رسم مسار مهني في مجال ظل لسنوات طويلة حكراً على الرجال. لتحول التحديات إلى فرص للكسب والعطاء، والمساهمة في رسم صورة جديدة للمرأة القوية صاحبة القرار والمبادرة.
من الهامش إلى المركز
تقول الشابة هبة والتي تعمل في مكتب لبيع العقارات منذ أربع سنوات لم يكن من الشائع في الماضي أن نرى امرأة تعمل كوسيط عقاري مستقل، إلا أن عدة عوامل تضافرت لدفع المرأة السورية إلى واجهة هذا المجال منها هجرة الشباب و ما سببته الحرب خلال الأعوام الماضية من تغيّر ديموغرافي إذ أدت النزاعات والنزوح الداخلي والخارجي إلى حركة سكانية غير مسبوقة، ما خلّف حاجة كبيرة إلى خدمات تأجير وبيع وشراء المساكن. أصبحت الأسر بحاجة إلى من يساعدها في إيجاد مأوى، سواء كانت نازحة داخل البلاد أو عائدة إليها إضافة إلى التحوّل نحو القطاع الخاص مع تراجع فرص العمل في القطاع العام وتدهور القدرة الشرائية، أصبح العمل في المجالات الحرة، بما فيها الوساطة العقارية، خياراً اقتصادياً جاذباً للعديد من النساء، خاصةً لمن يحتجن إلى مرونة في أوقات العمل.
مهارات تواصل
ولم تخف هبة أن المرأة تمتلك مهارات تواصل متطورة، وقدرة على التفاوض بأساليب تلطيفية، واهتماماً بالتفاصيل التي تهمّ الأسرة عند اختيار المسكن، كالأمان، والقرب من المدارس والخدمات. هذه الصفات جعلت منهنّ وسيطات عقاريات ناجحات وكلها صفات أساسية في مجال البيع والتأجير.
التحول الرقمي
من جانبها علا صاحبة مكتب عقاري أشارت إلى دور منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة في تسهيل عمل المرأة في هذا المجال. فأصبح بإمكانها الإعلان عن العقارات والتواصل مع العملاء وعرض الصور ومقاطع الفيديو دون الحاجة للتنقل المستمر، ما يتناسب مع ظروف بعض النساء اجتماعياً.
وأشارت إلى أن المرأة باتت تقوم المرأة بإدارة ملفات تأجير وبيع عقارات لعقارات تتبع لأقاربها أو جيرانها أو معارفها، مقابل عمولة متفق عليها وهي 2%.
محفوف بالمخاطر
من جهتها عبير رشيدات خبيرة تنمية بشرية أشارت إلى أنه لا يزال عمل المرأة في هذا المجال يواجه جملة من التحديات رغم النجاحات وذلك بسبب المخاطر الأمنية، إذ لا يزال التنقل في بعض المناطق محفوفاً بالمخاطر، ما يحد من حركة المرأة الوسيط.كمان هناك بعض البيئات المحافظة لا يزال هناك تحفظ على عمل المرأة في مجال يتطلب الاختلاط بالغرباء والتنقل، ما يضعها أمام ضغوط اجتماعية قد تحجم طموحها.
ولم تغفل رشيدات التحديات القانونية حيث يعاني القطاع العقاري في سوريا بشكل عام من ضبابية في بعض القوانين وبطء في الإجراءات، وقد تواجه المرأة صعوبات إضافية في التعامل مع الدوائر الرسمية أو في حال نشوب نزاعات مع عملاء.
ناهيك بازدحام السوق بالوسطاء وغياب معايير مهنية واضحة تنظم عمل الوساطة العقارية، ما يجعل من الصعب على المتميزات تمييز أنفسهن، ويخلق فضاءً للممارسات غير المهنية.
إبراهيم: تشكل النساء ما بين 20% إلى 35% من العاملين في المكاتب العقارية الرائدة في المدن الرئيسية
دور لا يمكن اختزاله
الخبير الاقتصادي صالح ابراهيم أشار إلى أن الملاحظ في المدن الكبرى (دمشق، حلب، اللاذقية)، وجود زيادة ملحوظة في عدد النساء العاملات في هذا المجال، ويمكن تقدير أن النساء يشكلن ما بين 20% إلى 35% من العاملين في المكاتب العقارية الرائدة في هذه المدن، أما في المحافظات الأخرى، فتكون النسبة أقل بشكل عام، ولكنها في تزايد مستمر.
وأضاف: لا يمكن اختزال هذا الدور الاقتصادي للمرأة في بعده المادي فقط لكونه أعمق من مجرد ربح مادي إذ إنه يسهم في تمكينها اقتصادياً واستقلالها مادياً، ما عزز من مكانتها داخل الأسرة ووسع من خياراتها الحياتية. وأضاف: أصبحت العديد من الأسر تعتمد على دخل المرأة من هذا العمل في تغطية نفقاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
كما لعبت دوراً في بناء الثقة، وفقاً لإبراهيم، وأثبتت من خلال هذا المجال قدرتها على خوض غمار العمل في مجال كان ذكورياً بامتياز، ونجحت في كسب ثقة العملاء بفضل نزاهتها واحترافيتها ويعتبر العمل في المجال العقاري مقبولاً اجتماعياً للنساء أكثر من بعض المهن الأخرى، خاصة أنه لا يتطلب دواماً في مكان مغلق طوال اليوم ويسمح بمرونة في الوقت.
تجارب ناجحة ونماذج ملهمة
رغم التحديات، تبرز قصص نجاح لسوريات في مجال العقارات، وإن كان على نطاق محدود.
وتشير هذه النماذج إلى إمكانية تحقيق النجاح رغم الظروف الصعبة، على الصعيد الإقليمي، تظهر إحصاءات دبي أن النساء يشكلن 34.8% من السماسرة المسجلين، حيث أجرين 8,606 صفقة بقيمة 696 مليون درهم. ويمكن للفتيات السوريات الاستفادة من هذه النماذج الإقليمية الملهمة.
المرأة السورية تنعش سوق العقارات
وختم إبراهيم بالقول: عمل المرأة في تأجير وبيع المنازل في سوريا هو قصة مرونة وتكيف في وجه الظروف القاسية.. لقد تحولت المرأة من متفرجة إلى فاعلة رئيسية في سوق عقاري معقد، مساهمةً في إنعاش حركته وخدمة آلاف الأسر، وتالياً فإن دعم هذا الدور، من خلال تأهيلهن قانونياً ومهنياً، وخلق بيئة عمل آمنة، سيسهم ليس فقط في تمكين المرأة اقتصادياً، بل أيضاً في تنظيم وانتعاش القطاع العقاري ككل، ما ينعكس إيجاباً على عملية إعادة الإعمار والاستقرار المجتمعي. ومع عدم وجود إحصائية رسمية، فإن المشهد الواقعي يشير إلى أن نسبة الفتيات العاملات في بيع وتأجير المنازل في سوريا آخذة في الارتفاع بشكل واضح وملموس، خاصة في المدن الكبرى، حيث أصبحن لاعباً أساسياً في سوق العقارات السوري، وتزداد ثقة العملاء بهن يوماً بعد يوم.