الحرية- علام العبد:
تراجُعُ واقع النظافة بات ملفتاً في معظم المدن السورية. وما نراه اليوم من شواهد حية لممارسات تفتقر إلى حسّ الضمير المسؤول وسلوك الإنسانية الواعي، وهذه السلوكيات للبعض ظهرت بشكل جلي في أوقات العطل الرسمية وغيرها من حالة الاستهتار والمزاجية في التعامل مع واقع النظافة، وما يتركه أمام أعين السائح أو الزائر أو المواطن نفسه من مناظر غير مريحة في الأماكن السياحية والطرقات والاستراحات وأماكن الاستجمام أو في الشواطئ وأمام البيوت والمتنزهات والمساحات الخضراء وغيرها، من رمي للقمامة في غير الأماكن المخصصة لها.
وهذا المشهد لتدني النظافة باتت ترصده بدقة عدسات المصورين والناشطين وتعج به منصات التواصل الاجتماعي، في إشارة واضحة إلى قرع ناقوس الخطر، على أن الجهود التي نبذلها على صعيد النظافة جهود ناقصة غير مكتملة أو غير مفهومة من المواطن نفسه، وإن عمليات التوعية والتثقيف فيها لم تصل إلى تحقيق أرصدة أكبر في مسار التأثير والاحتواء الذي يفترض أن يصل إلى مختلف شرائح المجتمع وفئاته ولم تسفر هذه الجهود إلا قليلاً في تقديم أنموذج عملي يؤسس لبناء ثقافة النظافة في المجتمع.
في ريف دمشق مدينة اسمها دير عطية، هذه المدينة جعلت من النظافة ثقافة وتقليداً من تقاليدها الحياتية. فعلى مدى سنوات طوال اتفق الأهالي هناك فيما بينهم على أن تكون شوارع مدينتهم نظيفة، فعملوا على إطلاق مبادرة أسبوعية بحيث كل يوم جمعة تقوم مجموعة من المتطوعين من كافة أطياف المجتمع وبإشراف مجلس المدينة ومكتب الخدمات فيها بتنظيف شارع من شوارع المدينة ومازالت هذه المبادرة مستمرة إلى الآن، وإذا أردت السير في شوارعها، ستجد أن النظافة ليست فعل إدارة، بل ثقافة متوارثة بين الناس هناك، كأنك تسير في إحدى الدول المتحضرة، حيث الوعي يبدأ من تفاصيل الحياة اليومية.
هذه دير عطية، قطعة من الوطن، لا تختلف عن سواها في الجغرافيا، لكنها اختارت أن تسبق في الوعي ليس في النظافة وحدها، بل في الإيمان برسالة وطنٍ يريد أن يرتقي بأهله وكان له ذلك.
ليكن لنا في هذه المدينة (دير عطية) قدوة حسنة. ففيها يطبق نموذج الإدارة المحلية على أكمل وجه، وهو يعد نموذجاً مثالياً لاستدامة البنية التحتية وتطويرها بسرعة، حيث تجد أن أعمال النظافة والصيانة والتنظيم وكل ما يتعلق بها، تتم إدارته بشكل يستحق كل التقدير والثناء.