الحرية- بقلم – يسرى المصري:
تتحرك الأرقام ببطء ولكن بثقة، وقد لا يلاحظ البعض التحول الحاصل في بيئة الأعمال في سوريا.. لأسباب يمكن حصرها بين قوسين مابين (تسارع التأسيس واستمرار التحديات).
لكن الجسد الاقتصادي المنهك والبارد بدأت مؤشرات الصحة تظهر عليه، عبر ارتفاع مؤشر حرارة النمو الاقتصادي، وما يعزز هذا الرأي ما تشهده سوريا من تحولٍ اقتصاديٍ ظاهرٍ مع الإعلان عن ارتفاع قياسي في عدد الشركات المسجلة خلال العام الجاري 2025، ما يعتبر بحق مؤشرًا على عودة تدريجية للنشاط التجاري وانتعاش مبادرات الأعمال، إذ تُظهر البيانات الحكومية والتحليلات المتاحة صورة حديثة لبوادر انتعاش من جهة، مع استمرار وجود تحديات هيكلية من جهة أخرى.
وبالعودة إلى تفاصيل النمو الاقتصادي وملامحه أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية أن عدد الشركات المسجلة منذ بداية عام 2025 وحتى نهاية تشرين الثاني بلغ 11,172 شركة، وتكشف تفاصيل التسجيلات عن طبيعة هذا النشاط الاقتصادي الجديد حسب توزيع الشركات المسجلة حتى تشرين 2025.
وحسب إحصاءات وزارة الاقتصاد بلغ السجل التجاري الفردي( 8،693) شركة 78% مشاريع فردية صغيرة.
وبلغت شركات الأشخاص (تضامن/توصية) 1،044 شركة بنسبة 9% أغلبيتها شركات تضامن (942 شركة).
وبلغ عدد شركات الأموال 1،435 شركة بنسبة 13% أغلبها (1،418) شركة محدودة المسؤولية.
يُلاحظ من الأرقام أن النمو يتركز بشكل أساسي في المشاريع الفردية الصغيرة (السجل التجاري الفردي)، ما يشير إلى انتعاش في قطاع الأعمال للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، أكثر منه في استقطاب استثمارات كبيرة القيمة، وفي المقابل، فإن عدد شركات المساهمة المسجلة كان (17 شركة)، ما يدل على أن الاستثمارات الضخمة التي تتطلب هذا الشكل القانوني لا تزال في مرحلة مبكرة.
ولاشك أن الإجراءات الحكومية التي أُعلن عنها تساهم في تفسير هذا التسارع في وتيرة تسجيل الشركات، ولاسيما تسهيل الإجراءات، حيث يُعزى الارتفاع في الأرقام إلى جهود حكومية لتبسيط إجراءات تأسيس الشركات، كما يعمل القطاع الخاص على تقديم استشارات متخصصة لتسهيل هذه الخطوات.
أضف إلى ذلك تطوير البنية التحتية الخدمية إذ أعادت الوزارة في تموز 2025 افتتاح مديرية الشركات في دمشق، بعد إعادة تأهيلها، بهدف تقديم خدمات أكثر مرونة وجودة للمستثمرين.
كما أن التوجه نحو الرقمنة واعتماد الوزارة على برنامج بنك المعلومات التجاري الجديد، وهو قاعدة بيانات موحدة تهدف إلى أرشفة وأتمتة بيانات الشركات وربط الجهات الحكومية المختلفة كان له دوراً في زيادة النمو الاقتصادي.
وكانت وزارة الاقتصاد قد أصدرت قرارات حول التنظيم القانوني، مثل تمديد المهلات لتسوية أوضاع المتاجر غير المسجلة، لاستيعاب القطاع غير النظامي في الاقتصاد الرسمي.
وهذه الأرقام الإيجابية، تظهر بيانات ومؤشرات تعافٍ عبر تقييم حرارة النمو الاقتصادي.
وقد أظهرت إحصائيات القطاع الصناعي وجود فجوة بين عدد التراخيص الممنوحة والمشاريع المنفذة فعليًا، فمن بين 532 رخصة حرفية مُنحت، نُفذت 56 منشأة، أي بنسبة تنفيذ تبلغ نحو 10.5%.
ومن قراءة هذه الأرقام وتحليلها نجد أن الفرص اليوم متاحة بنسب كبيرة لجهود التأسيس للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة في قطاعات مثل الغذاء والهندسة التي تتصدر التراخيص الصناعية.
وتلفت الأرقام إلى أن مستقبل الاستثمار الأجنبي يتصاعد بالتوازي مع تحسن البيئة التشريعية والإجرائية، وكما يبدو يشهد المستقبل زيادة في تأسيس فروع للشركات الأجنبية والمشاريع المشتركة، خاصة في مجالات إعادة الإعمار والطاقة والبنية التحتية، وللتكامل مع الاقتصاد الإقليمي فضاء رحب مع الانفتاح العربي والدولي، ما يزيد فرص الاستثمار الإقليمي، ويعزز الحاجة إلى مواءمة المنظومة التجارية السورية مع المعايير الإقليمية والدولية.
إن ارتفاع أعداد الشركات المسجلة في سوريا خلال 2025 يشير بوضوح إلى حراك اقتصادي إيجابي ومهم، خاصة في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مدعومًا بجهود حكومية ملموسة لتحسين المناخ التجاري، وهذا المؤشر الإيجابي يشكل حافزاً كبيراً لإصلاح التحديات الهيكلية، ويعزز التحول نحو اقتصاد إنتاجي مستدام يعالج فجوة التنفيذ، وتعزيز الثقة المؤسسية، وجذب استثمارات نوعية قادرة على خلق فرص عمل حقيقية ودفع عجلة إعادة الإعمار، وتعكس التصريحات الرسمية حول تحسين مناخ الاستثمار في سوريا، وتعديل القانون، ورفع العقوبات حراكًا تشريعيًا وإعلانيًا ملحوظًا، يقابله على أرض الواقع إجراءات وقرارات تهدف لإصلاح وإعادة هيكلة التحديات المؤسسية والاقتصادية.
إن إعادة الإعمار تكون بأيدي أبناء وسواعد السوريين أولاً وأخيراً.. وتوجيه البوصلة نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو فرصة كبيرة لتحسين معيشة السوريين.. واستقرار الإنتاج وتثبيت الازدهار.. إضافة إلى تقديم الحوافز للمشاريع الكبيرة التي تتطلب شراكات دولية وتمويلاً كبيراً والتي تساهم في إعادة بناء البنية التحتية وتأمين الطاقة والخدمات الأساسية والتجارية والمصرفية والتأمينية.. فالقطار يمشي وإصلاح السكة سيتم دون الحاجة إلى الوقوف أو الانتظار.