الحرية – سامر اللمع:
تجددت نذر الحرب بين الهند وباكستان بفعل الهجوم الذي يعدّ الأكثر حصداً لأرواح المدنيين منذ أكثر من 20 عاماً في الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين النوويين منذ ما يقارب الثمانية عقود.
فبعد الهجوم الذي وقع في مدينة باهالغام السياحية في الشطر الهندي من كشمير في 22 نيسان الفائت والذي أودى بحياة 26 شخصاً, وجهت الهند أصابع الاتهام إلى باكستان التي نفت الأمر نفياً قاطعاً، إلّا أن هذا النفي لم يقنع المسؤولين الهنود وعلى رأسهم رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي هدد أول أمس بقطع مياه الأنهر التي تنبع من الأراضي الهندية وتروي الأراضي الباكستانية.
إلّا أن الأمر لم يقتصر على قطع المياه أو على تبادل الاتهامات بين مسؤولي البلدين بل تعداه إلى اندلاع اشباكات عسكرية بدءاً من ليل أول أمس, الثلاثاء, أسفرت عن 31 قتيلاً في الجانب الباكستاني و12 قتيلاً في الجانب الهندي، في أخطر مواجهة عسكرية بين القوتين النوويتين منذ عقدين.
في ظل ذلك, سارعت أطراف دولية الى عرض التوسط بين الطرفين أو أقله الدعوة الى ضبط النفس, دعوة لم تجد لها أي آذان مصغية ما دفع البلدين ليلة أمس وصباح اليوم إلى تجديد الاشتباكات بالمدفعية والأسلحة الرشاشة على طول خط الحدود الفاصل بينهما في منطقة كشمير بحسب ما أعلنت نيودلهي.
وصباح اليوم, الخميس، قال الجيش الهندي في بيان إنه «ليل السابع إلى الثامن من أيار 2025، نفّذ الجيش الباكستاني قصفاً غير مبرر بالأسلحة الخفيفة والمدفعية على طول خط السيطرة الذي يقوم عملياً مقام خط الحدود بين البلدين في قطاعات كوبوارا وبارامولا وأوري وأخنور».
وأضاف البيان أنّ «الجيش الهندي ردّ بشكل مناسب»، موضحاً أنه «لم تسجّل أيّ خسائر».
وفي المقابل، أعلنت هيئة المطارات الباكستانية تعليقاً مؤقتاً لعمليات الطيران في مطارات كراتشي ولاهور وسيالكوت.
وجاء الإعلان الباكستاني بعدما أفادت شبكة جيو التلفزيونية وشاهد من «رويترز» بأن دوي انفجار سمع في مدينة لاهور بشرق باكستان، صباح اليوم.
خلفيات وتسلسل الصراع
خاضت الجارتان النوويتان عدة حروب ومواجهات على المنطقة المتنازع عليها، والتي يطالب كل منهما بالسيادة عليها بالكامل بينما يحكم جزءاً منها فقط، كما أدت المناوشات بين القوات المتمركزة على طول الحدود الفعلية إلى جعل كشمير خطاً للمواجهة في نزاعهما.
فقد بدأ الخلاف حول كشمير تقريباً مع انسحاب بريطانيا من جنوب آسيا عام 1947، وما تبعه من اتفاق لتقسيم شبه القارة الهندية إلى باكستان ذات الأغلبية المسلمة، والهند ذات الأغلبية الهندوسية, ومنح حكام الولايات الأميرية الحق في الانضمام إلى إحدى الدولتين أو البقاء مستقلين.
وخلال أشهر قليلة من التقسيم، ادعت كلٌّ من الدولتين حقّها في الإقليم، فاندلعت المواجهة العسكرية, واضطر الأمير الهندوسي الذي كان يحكم كشمير، والذي رفض في البداية التنازل عن سيادته، إلى التوقيع على اتفاق الانضمام إلى الهند مقابل ضمانات أمنية، بعد دخول ميليشيات باكستانية أجزاءً من إقليمه.
وقد شكل هذا الاتفاق نقطة انطلاق تدخل باكستان، التي عدّت الإقليم امتداداً طبيعياً لأراضيها، في حين سعت الهند إلى ترسيخ انضمام كشمير إليها، وتبع ذلك اندلاع سلسلة من الحروب والأحداث، نستعرض أبرزها:
ـ عام (1965) نشبت الحرب الهندية-الباكستانية الثانية بفعل مجموعة من الأحداث، منها إرسال باكستان قواتها إلى منطقة خاضعة للسيطرة الهندية، أعقبتها هجمات من الجانبين في الصيف بعد مناوشات على الحدود جنوب كشمير في وقتٍ سابق من العام.
وعندما شنت باكستان هجوماً عبر خط وقف النار في كشمير في شهر آب، تصاعد القتال سريعاً إلى حرب شاملة، استمرت نحو 3 أسابيع وخلّفت دماراً واسعاً.
وفي مطلع عام 1966وقعت الهند وباكستان على «إعلان طشقند»، وهو معاهدة سلام تعهد فيها الطرفان بإعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها وسحب القوات والعودة إلى حدود عام 1949.
ـ أدت الحرب الإقليمية بين البلدين في عام 1971 إلى قيام بنغلاديش «انفصلت عن باكستان»، ما دفع باكستان والهند إلى إعادة النظر في مسألة كشمير العالقة.
وفي كانون الأول 1972، أعلنت الدولتان حلّ الجمود حول خط وقف النار، لكنه لم يتغير شيء سوى اسم الخط، فأصبح «خط المراقبة» الرسمي، مع احتفاظ كل من البلدين بالجزء الذي كان يسيطر عليه لأكثر من 20 عاماً.
ـ عام 1974 أجرت الهند أول اختبار نووي لها، بينما أجرت باكستان اختبارها النووي في وقت لاحق، وأصبحتا ضمن قائمة أقوى 10 دول نووية في العالم، ما أثار قلقاً دولياً من استخدام السلاح النووي في الصراع بينهما.
ـ حمل عام 1999 بوادر اتفاق بين البلدين, ففي شباط، استضاف رئيس وزراء باكستان نظيره الهندي في زيارة رسمية بعد غياب زيارة رئيس وزراء هندي لباكستان لمدة عقد كامل، وتمّ توقيع وثائق تؤكد التزامهما بتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن بعد 3 أشهر، اندلعت الحرب مجدداً، وكانت كشمير نقطة النزاع.
وقد بدأ القتال بعد تسلل مسلحين من باكستان إلى الجزء الخاضع للهند، وأكدت نيودلهي أنّ هؤلاء المسلحين جنود باكستانيون، بينما نفت باكستان ضلوع قواتها في هذا الأمر.
وانتهت الحرب بعد أن طلب رئيس الوزراء الباكستاني حينها, نواز شريف انسحاب المسلحين، ثم أُطيح به بعدها بانقلاب عسكري قاده جنرال باكستاني تبين لاحقاً أنه أمر بالعملية التي أشعلت الحرب في كشمير.
ظلّت كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم بعد حرب 1999، وبلغ التوتر ذروته عدة مرات منذ ذلك الحين.
وكان آخر تصعيد كبير في 2019، حين قتل تفجير 40 جندياً هندياً على الأقل. وردّاً على ذلك، شنت الهند غارات جوية داخل باكستان، لكن التصعيد توقف قبل تحوّل المواجهة إلى حرب شاملة.