الحرية- رشا عيسى:
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تتاح فيها لمعظم السوريين مشاهدة الانتقال من هوية بصرية للبلاد إلى أخرى، وفهم المعاني المختلفة لاستخدامات رموز سورية أصيلة مستوحاة من البيئة والواقع والتاريخ السوري بعيداً عن تعقيدات المشهد الاقتصادي والاجتماعي الذي كانت له الحصة الكبرى في دلالات الهوية البصرية الجديدة، التي رفعت راية الوحدة على امتداد مساحة الوطن في عقد وطني جديد أساسه الاستقرار الداخلي الذي يتحقق بقوة الدولة الجامعة لكل مكوناتها من شرق البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، مروراً بوسطها، لتحمل الهوية الجامعة للسوريين برمز (العقاب) رسائل للخارج أيضاً عنوانها العلاقات المتوازنة مع المحيط والعالم.
ترميز للرؤية الاستراتيجية
الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش بيّن في حديث لـ(الحرية) أنه وبعيداً عن التقييمات المتباينة، ولا سيما المتعلقة بالنواحي الجمالية والفنية والتعبيرية، فالهوية البصرية علمياً هي التعبير البصري عن مفهوم التموضع الاستراتيجي أي الصورة الذهنية والانطباع المرغوب فيه لدى الجمهور المحلي والخارجي.
عياش: تعبير بصري عن مفهوم التموضع الاستراتيجي
وهو ترميز للرؤية الاستراتيجية للدولة ورسالتها، ومن هنا تحديداً تأتي أهمية إيجاد وإطلاق الهوية البصرية لسوريا الجديدة، فهي تتضمن الوعود والأهداف والثوابت والأسس التي تعتمدها الدولة وفق مقوماتها الثلاثة الرئيسة والمتمثلة بالأرض والشعب والسلطة.
خريطة للمستقبل
وما تتضمنه هذه الهوية البصرية الجديدة هو خريطة طريق للمستقبل تؤكد وحدة وتكامل الوطن جغرافياً وديموغرافياً وإثنياً وثقافياً. وهذا هو أمل كل السوريين في سوريا جديدة موحدة ومستقرة ومزدهرة ولكل السوريين.
عياش: علينا جميعاً الانطلاق للعمل الجاد والمخلص
وأكد عياش أن الرؤية تحددت والصورة البصرية أطلقت، وعلينا جميعاً الآن الانطلاق للعمل الجاد والمخلص وفقها ولتحقيقها.
إعادة بناء الهوية
بدوره الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي المهندس باسل كويفي رأى في تصريح لـ(الحرية) أن الهوية البصرية تمثل خطوة رمزية مهمة في مسار إعادة بناء الهوية الوطنية السورية الجامعة، بعد سنوات من الحرب والانقسام.
الشعار الجديد المتمثل في العقاب الذهبي السوري، يحمل دلالات عميقة تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والتكامل بين جميع مكونات الشعب السوري، مع التركيز على شمولية المحافظات الأربع عشرة، حيث صمّمت الهوية البصرية الجديدة بعناية لتعكس وحدة سوريا، وتُعد محاولة طموحة لتجاوز إرث الانقسامات السياسية والاجتماعية.
كويفي: خطوة رمزية في مسار إعادة بناء الهوية الوطنية
ووجد أنه يمكن إيجاز الإيجابيات في تعزيز الوحدة الوطنية والتركيز على الـ14 ريشة والمناطق الخمس يعطي إحساساً بالشمولية، حيث لا يتم إعطاء أولوية لمنطقة على حساب أخرى. وهذا مهم في سياق سوريا التي عانت من تهميش بعض المناطق خلال عقود، والابتعاد عن رموز الاستبداد. والشعار يمثل قطيعة مع رموز النظام السابق التي ارتبطت بالقمع والهيمنة، كما أشار وزير الإعلام إلى أن الهوية لم تُبنَ على “زخارف وشعارات فارغة” بل على تصور جديد للعلاقة بين الدولة والشعب، ولقي الشعار تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التوازن بين التراث والحداثة.
تجاوز بعض التأملات النقدية
وبيّن كويفي أنه قد يكون من السهل تجاوز بعض التأملات النقدية عبر الوعي العام المجتمعي، وتتلخص بالحساسية الثقافية لبعض مكونات المجتمع على الرغم من أن الشعار يشمل الهوية السورية الجامعة، وكذلك هناك تحديات تنفيذية فإدخال هوية بصرية جديدة يتطلب استبدال الوثائق الرسمية مثل: بطاقات الهوية وجوازات السفر، وهو ما قد يواجه تحديات لوجستية واقتصادية في بلد يمر بمرحلة انتقالية.
كويفي: جزء من مشروع أوسع لإعادة بناء الدولة
وأشار إلى أنه بالنظر إلى الاستدامة والمستقبل، فالهوية البصرية ليست مجرد شعار، بل جزء من مشروع أوسع لإعادة بناء الدولة. ومع ذلك، يجب أن تترافق هذه الخطوة مع إصلاحات اقتصادية وسياسية ملموسة لضمان أن تكون الوحدة المعلنة واقعاً على الأرض، يعزز الاستقرار والسلام والتنمية، عبر صناعة مصير مشترك للأجيال القادمة، فالانتماء ليس مسألة سياسية، بل حالة وجودية وقرار بأن نكون جزءاً من مستقبل سوريا.
العقاب الذهبي
وحول الرمز المستخدم في الهوية البصرية، وجد كويفي أن اختيار العقاب الذهبي كرمز رئيسي يحمل أبعاداً تاريخية وثقافية عميقة، حيث يرتبط بالتراث السوري منذ معركة “ثنية العقاب” (دارت رحاها عام 634 بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ضد قوة بيزنطية أرسلها هرقل لتخفيف حصار حامية دمشق المحاصرة). ويمتد إلى تصميم وضعه الفنان خالد العسلي عام 1945، ما يعكس رغبة في التوفيق بين الأصالة التاريخية والطموح نحو مستقبل حديث، ويعطي باسم الشعار قوة رمزية تجمع بين الماضي والحاضر.
في الدلالات، التأكيد على وحدة سوريا وتكامل تصميم العقاب يتضمن 14 ريشة (7 في كل جناح)، تمثل المحافظات السورية، وإضافة إلى إشارة واضحة بأن لكل محافظة دوراَ متساوياً في استقرار الدولة ووحدتها.
كما يحتوي ذيل العقاب على خمس ريشات تمثل المناطق الجغرافية الكبرى (الشمالية، الشرقية، الغربية، الجنوبية، والوسطى)، ما يؤكد على التكامل الجغرافي والسكاني دون إقصاء أو تهميش أي منطقة.
في الرسالة السياسية، أكد كويفي أن الشعار يحمل رسالة سياسية واضحة، كما أكد الرئيس أحمد الشرع بأن سوريا “لا تقبل التجزئة ولا التقسيم”، وهي رسالة موجهة لتعزيز الوحدة الوطنية في مرحلة انتقالية حساسة، هذا التأكيد يعكس محاولة لإنهاء الانقسامات الإقليمية والطائفية التي غذتها الحرب.
كما يهدف تأثيرها الاجتماعي إلى إعادة بناء الثقة، حيث أشار الرئيس الشرع إلى أنها “تعبّر عن بناء الإنسان السوري وترمم الهوية التي ألفت الهجرة بحثاً عن الأمن”. هذا يعني أن الشعار ليس مجرد رمز بصري، بل محاولة لتعزيز الانتماء الوطني واستعادة الكرامة الوطنية.
وختم كويفي بالقول: إن كل السوريين ينتمون إلى سوريتهم وإن اختلفت بعض الاجتهادات في ذلك، وثقافتنا المتعددة ملك لسوريا وشعبها منذ تاريخ قديم إلى اليوم ولعصور قادمة، فسوريا مهد الحضارات، ودمشق أقدم عاصمة في العالم، هنيئاً لشعب ينهض من تحت الركام .