الحرية- أحمد عساف:
ثمة ما هو جديد ومختلف عن مجموعاته الشعرية السابقة، إذ يبني الشاعر السعودي حامد بن عقيل، كينونة خاصة لعالمه الشعري يشيّدها من قاموسه الخاص، حيث يكمن الجديد والمختلف والمتميز، وما ينتمي لتيار ما بعد الحداثة بنكهة (حامد بن عقيل) لنصوص شعرية لا تنتمي لأحد ولا تستنبط ولا تقلد أحداً، إنها قصيدته التي تشبهه ويشبهها.
وأغلب ظني أن الشاعر بن عقيل كتب نصوصه هذه دون أي حساب لناقد أو قارئ كلاسيكي، فعل ذلك برغبة منه في تقديم نصوص شعرية تشبه روحه، وروح من يحبونه.
عناوين:
إذا كان العنوان يشكل عتبة دالة للولوج إلى عمق المحتوى الأدبي، حامد لم يفعل ذلك ولم يعط قارئه المفتاح الذي يفض عنوان القصائد، كذلك العناوين التي اشتغل عليها بعناية فائقة وعبر استراتيجيته الشعرية، عناوين منسوجة من متن شعري متعالق مع نبض قصيدته، ونذكر المقطع الذي ذكر فيه عنوان المجموعة الشعرية:
“قلت له: الوحدة حرّية حزينة / تلك الزوجة منذ عصر المغول / حتى حزنك عليها صار أغنية حماسية..”
هنا نجد رؤية شاعرية بنبرة فلسفية تمثل اليأس الوجودي والعبثية. الشاعر لا يصور الوحدة كمجرد غياب للآخرين، بل كحالة وجودية متجذرة في صميم الكون والإنسان.
قصيدة الشاعر حامد بن عقيل تتمتع بذاك المسّ المخفي والظاهر، بالذي يقال ولا يقال، بما يبدو للوهلة الأولى مشهداً يلامس اليومي في حياة الإنسان المنتمي لوجع الحياة وقسوة زمن رديء. يقول:
“هذا ما بقي لي الآن، فالوشم باب معطوبة وأنا أحتضر” ص 45
لغة ومعنى
يمارس حامد بن عقيل لعبة اللغة بمداورة المعنى في حده الأقصى، وذلك باستنهاض المفردة الشاعرة وتزويدها، لتكون الشاهد على الداخل في علاقته مع الخارج، والخارج متلقّ ينقسم إلى شطرين أحدهما متلقي نقدي يبدأ من الشاعر نفسه باعتباره الناقد الأول لنصّه الشعري، ومتلقي ذائقي يتقاسمه الشاعر مع قارئه باستحضاره وعدم تغييبه.
يقول في قصيدة الانكسار:
” ما الذي ستضيفه قصيدتي إلى هذا العالم؟ الشعلة التي ستجد طريقها إلى قلوب المحبين وستنتصر على هشاشة الحياة” ص25 .
سنجد في (الوحدة حرّية حزينة) حساسية شعرية مفرطة وخصوبة في تناسل المفردات، عبر مخيال شعري ناصع الحزن.
” كان الشاعر في داخلي يبتلع ثلاث حبات من منوم قوي / ثم يبدأ الكتابة، في بعض الليالي كان يطعن قلماً برياً بمدامع خشبية ثم يرقص” ص 36 . –
القصيدة تقتفي أثر شاعرها، في كل عوالمها وبناءها الدرامي والدامي وأي حزن شفيف تتبناه هذه القصائد. يقول:
” لا وجه لي يظهر في المرايا، لا بساتين في حلقي.. ولم تكن لدي صديقة سرية تتابع ما أكتب” ص 30.
” غيابهم كبطاقة عبور في مطار مهجور، بلا تاريخ .. وبلا وجهة محددة”. ص 66
ويقول:
” الأبواب التي طرقتها اليوم أخذت ظلي. وضعته على حافة البركان كي ينام كطفل مجهول الأبوين. ”
في كل نصوص هذه المجموعة يثبت حامد بن عقيل أنه شاعر متمكن ومعني بأداة حادة وناقدة ومتحفزة يحسب لها أنها استطاعت أن تخرج الفكرة من حيز الغائب إلى حيز الحاضر، لنقرأ نصوصاً شعرية على غاية من الأهمية، نصوصاً تحتمل قراءات كثيرة، لما فيها من وجوه قابلة للتأويل والمماحكة. ينهي الشاعر نصوصه قائلاً:
” ربيع مشوّش.. في بداية الربيع في يوم موتي وقبل أن يعلم أصدقائي، ستحترق أوراق العالم وتذوب اخباره في المحيطات. ص 80-
تراجيديا الوجود
الوحدة حرية حزينة نصوص شعرية تقدم رؤية تراجيدية للوجود. إنها ليست وحدة عاطفية بقدر ما هي موقف فلسفي من العالم. الشاعر يحول الوحدة من حالة سلبية إلى حرية، لكنها حرية مريرة حزينة لأنها تحرر الإنسان من كل الأوهام: وهم المعنى، وهم الحب، وهم الهوية، ووهم الاستمرارية.
هذه النصوص ليست استراحة محارب للروائي وللناقد حامد بن عقيل، بل هي ثالثة الأثافي، في ثالوثه الإبداعي:( الرواية- الشعر- النقد). وهذه النصوص ليست للراحة، بل لمواجهة الذات بكل وقار الحزن وأبّهته، هي مرايا الروح في مواجهة أكثر أركان النفس ظلاما وقلقاً، حين يصرخ بنا الشاعر أن الوحدة هي الحقيقة الأساسية للكائن في عالم ملعون تسوده العبثية وينتظره العدم.
ديوان: الوحدة حرّية حزينة. صدر حديثًا 2025 عن (محترف أوكسجين للنشر) 85 صفحة، قطع متوسط.