الحرية – بشرى سمير:
بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، الذي يُحييه العالم في السابع عشر من تشرين الأول من كل عام، لا بد من التركيز على قضية الفقر في سوريا كواحدة من أكثر القضايا إلحاحاً وإنسانية تتطلب وقفة جادة عالمياً ومحلياً. لقد تحول هذا البلد، الذي كان يوماً من بين دول الشرق الأوسط ذات الاقتصادات الواعدة، إلى مثال لأقسى الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث أصبح الفقر سمة بارزة في حياة الكثيرمن السوريين.
جذور الأزمة
قبل الحرب، كانت نسبة الفقر في سوريا حوالي 14%، ولكن وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ففي السنوات الأخيرة قبل عام 2011، كانت سوريا تواجه بالفعل تحديات اقتصادية، لكن المؤشرات لم تكن تُنبئ بالكارثة التي كانت تنتظرها. أدت جرائم النظام البائد إلى تدمير البنى التحتية للبلاد، وتعطيل سبل العيش، وانهيار النظام الصحي والتعليمي، ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخلياً وخارجياً. لم يعد الفقر مجرد حالة اقتصادية، بل تحول إلى واقع معقد متعدد الأبعاد، يطول كل جانب من جوانب الحياة.
خبير اقتصادي: التغلب على الفقر يتطلب جهوداً جماعية محلية ودولية وبناء القدرات ودعم برامج الإغاثة والتنمية
الفقر في سوريا اليوم هو فقر مركب
وبهذا الصدد بيّن الخبير الاقتصادي والتنموي عماد سعيد أن الفقر في سوريا انتشر بشكل كبير وهو فقر مركب يشمل عدة مناحٍ، ولا يوجد رقم احصائي رسمي لكن نسبة يمكن القول أنها كبيرة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية بعض الأرقام غير الرسمية تشير أن أكثر من الثلث من السكان يعانون من فقر مدقع، أي إنهم غير قادرين على تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ومأوى.
بينما يعتمد الكثيرون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
العملة المحلية
خلال حكم النظام البائد فقدت العملة المحلية قيمتها، ما أدى إلى فقدان المدخرات وارتفاع هائل في الأسعار ولم يعد الدخل الشهري كافياً لشراء أبسط متطلبات المعيشة من غذاء ودواء وملبس. ما انعكس على الأمن الغذائي وتسبب في سوء التغذية وأصبحت الوجبة الواحدة في اليوم والتي تخلو غالباً من القيمة الغذائية الكافية، واقعاً يومياً للعديد من العائلات، كما أدى تدمير القطاع الزراعي وارتفاع أسعار المواد الغذائية عالمياً إلى تفاقم هذه الأزمة.
ولفت سعيد إلى تراجع الخدمات الأساسية التي كانت تُعد من بديهيات الحياة الحديثة. من انقطاع التيار الكهربائي ، وشحّ مياه الشرب النظيفة وأصبح الحصول على الرعاية الصحية المناسبة رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون وخاصة بعد تدمير المستشفيات والمدارس والمنازل والطرق والمرافق الحيوية.
تدهور نظام التعليم
كما تدهور نظام التعليم، حيث حرِم جيل كامل من الأطفال من حقهم في التعلم ما يهدد بمستقبل مظلم لهم ولبلدهم وانهيار الاقتصاد نتيجة توقف معظم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة والسياحة، كما أسهمت العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على الشعب السوري في تعقيد الأزمة وعزل الاقتصاد السوري إضافة إلى نزوح وهجرة الكفاءات وهجرة ملايين السوريين بينهم آلاف الأطباء والمهندسين والعلماء، ما أفقد البلاد طاقاتها البشرية. وأشار سعيد إلى أن سنوات الحرب والحرمان تركت ندوباً نفسية عميقة في نفوس السوريين، وخاصة الأطفال. يعيش الكثيرون في حالة دائمة من الخوف والقلق والحزن بسبب فقدان الأحبة والمنازل والأحلام. هذا الفقر غير الملموس لا يقل خطورة عن الفقر المادي.
جهود جماعية
وأضاف سعيد في تصريح لـ”الحرية” في اليوم العالمي للقضاء على الفقر، يجب أن نعرف أن التغلب على هذه المأساة الإنسانية يتطلب جهداً جماعياً على المستوى الدولي زيادة المساعدات الإنسانية من دون تأخير أو شروط سياسية ودعم برامج الإغاثة والتنمية التي تنفذها المنظمات الأممية والجمعيات الخيرية.
أما على المستوى المحلي فلا بد من تعزيز دور المنظمات غير الحكومية المحلية التي تعمل في الداخل السوري، ودعم مشاريع التنمية الصغيرة التي تخلق فرص عمل وتعزز الاكتفاء الذاتي وإعادة بناء الاقتصاد وإطلاق مشاريع ضخمة لإعادة إعمار البنية التحتية، ما يوفر فرص عمل بالملايين ودعم القطاعات الإنتاجية بإعادة إحياء القطاع الزراعي والصناعي والاستثمار فيهما، وتشجيع القطاع الخاص.
واتخاذ إجراءات مالية ونقدية صارمة لدعم الليرة السورية واستعادة الثقة بالعملة الوطنية وبناء مؤسسات دولة قوية وشفافة وفعالة، ومكافحة الفساد الذي يستنزف الموارد.
وحدد سعيد مسؤولية الأفراد، إذ يمكن للجميع المساعدة من خلال التبرع للمنظمات الموثوقة التي تعمل داخل سوريا، ونشر الوعي حول عمق المأساة، وتقديم الدعم. وختم بالقول لفقر في سوريا هو جرح نازف في جبين الإنسانية. في هذا اليوم، يجب أن نذكر أنفسنا بأن القضاء على الفقر ليس مجرد شعار، بل هو التزام أخلاقي. أطفال سوريا وكبارها، رجالها ونساؤها، يستحقون حياة كريمة. إن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة أبنائها على البناء من جديد، وهذا لن يتحقق إلا بمساعدتهم على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى، والبدء بخطوة أولى تبدأ بالقضاء على شبح الجوع والفقر. لا يكفي أن نشعر بالحزن، بل يجب أن نتحول إلى العمل.