امتحان العقل الاستثماري السوري

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- ناظم عيد – رئيس التحرير:
إن كان صحيحاً أنّ معاودةَ انطلاق عجلة الاقتصاد تحتاج إلى مناخات متعافية – وهذا منطقي، فإنّ الصحيحَ أيضاً أنّ الاستثمار في المخاطر هو خيار رجل الأعمال والمستثمر الحاذق..
ووجهة النظر الثانية هذه مثبتة في تجارب التاريخ الكثيرة، ليس فقط في قصة عائلة روتشيلد واستثمار واقعة “واترلو” في القرن التاسع عشر.. بل ثمة شواهد متعددة، تثبت أنّ من يكسر معادلة ” رأس المال جبان” يكسب ويحظى بعلاوات مجزية فعلاً.

أمام هذه المسلّمات..يغدو السؤال مشروعاً عن ماهية العقل الاستثماري السوري، و ذهنية رجل الأعمال هنا، وسط حالة الانكماش التي يتسبب بها انكفاء قطاع الأعمال حالياً، وغرق رجالاته في حالة انتظار و ترقب مثيرة للتساؤل، على الرغم من زوال عوامل كثيرة طالما كانت مثارَ شكاوى سطروها وصرخوا بها صراخاً.. تبدأ بعدم توفر حوامل الطاقة .. ولا تنتهي بحكاية “الكوتا” البغيضة و الأتاوات المفروضة من مقصورة قيادة الدولة لسنوات طويلة، و كانت مثار غمز و لمز ثم إشاراتٍ صريحةً و تالياً سيرةً على كلِّ لسان.. واليوم تغيّر المشهد كلياً.
الواقع أنّ مهمة رجل الأعمال السوري، وكلِّ مواطن، اليوم تبدو خليطاً استثنائياً مابين الربحي الاقتصادي و الوطني الإنساني، لأنها جزءٌ من المهمة الإنقاذية لبلد يحاول ويجاهد ويكافح لمعاودة النهوض والبناء والإعمار، ولاسيما أننا نتابع جميعاً تفاصيل تلكؤ المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات صريحة ومباشرة لرفع العقوبات عن الشعب السوري، وما يرافقه من مختلف ضروب التسويف في الإيفاء باستحقاقات تخصُّ سوريا الجديدة.
و إن كنا جميعاً كسوريين مقتنعين بمقولة “ماحكَّ جلدك مثل ظفرك”، فإنّ تطبيقاتها يجب أن تكون سريعةً و باستجابات كثيفة من قبل كل سوري إن في الداخل أو في الخارج، لأن البلد متعطش للاستثمار و لكلٍّ حراك اقتصادي إنتاجياً كان أم خدمياً.
وفي مثل هذا السياق لا نملك إلّا أن ننحني احتراماً لمبادرات رجال أعمال سوريين في الخارج، ممن مدوا أيديهم بالعون والمساعدة والتبرع لأهلهم و دولتهم، لكن ما نرى أنه الأهم هو الزج بأموالهم في ميدان التوظيف الرأسمالي والاستثمار الحقيقي وفق لائحة أولويات تحددها ظروف المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، والتي تحتاج إلى تكافل مجتمعي مطلق.
و لعلّه من نافل القول في أي خطاب موجه للمستثمر السوري، أن نذكر بأنه صاحب الأولوية المتقدمة في الاستثمار ببلده، بما أنّ إعادة الإعمار اليوم وغداً فرصةٌ سيتسابق إليها رجال أعمال وشركات كبرى، فليحجز السوريون فرصتهم و مكانهم على أرض بلدهم، و إن تأخروا أكثر نظن أنّ المنطق الوطني يؤكد أنهم لن يعودوا الأحق بالفرص لأنهم تأخروا، وللتأخير هنا دلالات لا تقبل التحريف و التجيير.
السوريون اليوم يتوقون إلى كلِّ ما له صلة بالاستقرار، وينتظرون ما يحب أن يحظوا به من انتعاش في قطاع الاستثمار، لأن في ذلك فرصَ عمل و مكافحةَ بطالة ومحاربةَ فقر.
ومن الظلم أن ينتظر الجميع من حكومة بلدهم وإدارته الجديدة النهوض بكل الأوزار الثقيلة و الصعبة، من دون مشاركة فاعلة وفعّالة في سياق ورشة عمل يجب أن ينخرط فيها كلُّ قادر على الفعل.
اليوم لا بدّ من وقفة وتطلع إلى الأمام، و عدم اللهو والغرق في دوامة الردح و الشكوى و صب الزيت على نيران ما يفرق، والتركيز على ما يجمع ، ولا نظن أنّ ثمة ما يجمع أكثر من وحدة المصير.. لأنّ الجوع لا يفرق بين سوري وآخر ومثله الفقر وبقية سلسلة متلازمة المشاكل المعقدة التي لا يمكن تذليلها إلّا بوجود جمعية طيبة مسبوقة بما يلزم من إرادة وإصرار.

Leave a Comment
آخر الأخبار