الحرية_ رشا عيسى:
يتطلب تخفيض العجز في الميزان التجاري الوطني تحقيق نوع من الموازنة بين الصادرات والواردات أو تغليب الأولى على الثانية، حيث يبنى التصدير على الإنتاج.. والإنتاج يبنى على الاستثمار، في ثالوث أساسي للوصول إلى الانتعاش المطلوب الذي يحتاج سنداً حكومياً باتباع سياسات داعمة للتصدير، وشريكاً مصرفياً من أبرز صفاته القوة.
وكما يتطلب التعامل مع العجز المسجل حالياً في الاقتصاد الوطني جرأةً بالقرارات والعمل، وكفاءةً على المستوى القيادي والتنفيذي.
سلسلة مترابطة
الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس أكد في حديث لـ( الحرية) أن التصدير يبنى على الإنتاج والإنتاج يبنى على الاستثمار، والاستثمار يبنى على نقطتين أساسيتين_ وهما صلب ما نعانيه اليوم_ الأولى وجود البيئة الاستثمارية الجاذبة، والثانية هي القطاع المالي المصرفي، ولابد من العمل على هاتين النقطتين، لأن البيئة الاستثمارية الجاذبة مرتبطة مباشرة ببيئة الاستقرار الأمني، وبيئة القوانين والتشريعات، وتدعيم البنية التحتية من الكهرباء والطاقة، وإعادة ترميم المناطق الصناعية، والتحدي كبير خاصة بوجود إرث ثقيل جداً يحيط بالبيئة الاستثمارية الجاذبة وحتى في بيئتنا الاستثمارية عموماً.
تخفيض العجز
وبين الجاموس أن كل دول العالم تسعى لجعل ميزانها التجاري رابحاً، أو جعل العجز بحده الأدنى، أي محاولة جعل الصادرات تساوي الواردات أو زيادة الصادرات عن الواردات عبر تفعيل الإنتاج، ويذكر مثالاً حول ذلك، اتخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراراً برفع الرسوم الجمركية في بلده، والتي تعني دعوة إلى زيادة إنتاجية المصانع الأميركية لزيادة كمية التصدير، وبالتالي الحفاظ على قيمة الدولار كعملة عالمية، ومن خلال زيادة إنتاجية المصانع الأميركية تزيد من حجم التصدير، والتغلب على الصين كدولة مصدرة وميزانها التجاري رابح جداً.
بيئة استثمارية جاذبة
ويرى الجاموس أنه لا يمكن أن يكون هناك تدعيم للتصدير أو الاتجاه للتغلب على العجز في الميزان التجاري دون وجود بيئة استثمارية جاذبة للاستثمارات المحلية والخارجية، التي بدورها تحتاج قطاعاً مصرفياً قوياً لأن القاعدة الاقتصادية تقول: أينما وجد قطاع مصرفي قوي، وجد اقتصاد قوي.
واليوم القطاع المصرفي الوطني بحده الأدنى أو ضعيف جداً، والقطاع المصرفي هو الشريك الأساسي للمنتجين وللمستثمرين، من حيث تقديم قروض ميسرة، أو دعم مالي للشركات المصدرة الموجودة، وتحظى الشركات المصدرة بكل دول العالم بأولويات الدعم سواء من القطاع المالي، أو دعم حكومي عبر وضع سياسات تدعم قطاع التصدير ومن خلفه دعم الإنتاج والاستثمار.
ومن السياسات الحكومية التي يجد الجاموس من المهم تطبيقها هو تشكيل الإجراءات الجمركية لاستيراد المواد الأولية، ورفع الرسوم الجمركية على الواردات من المنتجات الخارجية مدعومة ببيئة قوانين وتشريعات.
وزارة للاستثمار
وتمنى الجاموس أن يطابق الوضع الاقتصادي الوضع السياسي من ناحية الجرأة بالقرارات، حيث يرى أن الطرح الحكومي على المستوى السياسي يتسم بالجرأة، مجدداً الاقتراح بتشكيل وزارة للاستثمار تكون قادرة على التعامل بشكل مباشر مع المستثمرين المحليين، وكذلك مع المستثمرين خارج سوريا، وتعمل على تقليل مخاوفهم سواء المخاوف الأمنية أو المخاوف المرتبطة بالبنية التحتية ومن حيث التسهيلات والإجراءات والترخيص و التحديات التي قد تواجههم. و وجود وزارة الاستثمار يخفف من وطأة هذه المخاوف، ويوفر فرصاً أكبر لجذب الاستثمار وفقاً للجاموس.
الاقتصاد المناطقي
كما اقترح الجاموس لتحسين التجارة الخارجية وجعلها فعالة أكثر اعتماد ما يسمى بالاقتصاد المناطقي، بمعنى تدعيم كل منطقة بما تشتهر، على سبيل المثال حوران يجب أن يتم تدعيم القطاع الزراعي فيها بشكل كبير جدًا، وأيضاً السويداء يجب تدعيم قطاع إنتاج العنب والعصائر وجعل هذه المنتجات منتجات تصديرية، أيضاً في الساحل تشجيع زراعة البرتقال وفتح مصانع للعصائر وجعلها تصديرية، وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون في إدلب.
وكذلك الصناعات الثقيلة في حلب، وتعزيز الجانب التجاري لدمشق أي التركيز على المنتجات الأساسية المعروفة والتي لها قبول عند الناس وفي الأسواق التصديرية. والمثال العالمي الذي يورده الجاموس هو الصين والتي بنت اقتصادها على هذا الأساس المناطقي الاقتصادي.
أثر رفع العقوبات
وعند سؤال الجاموس عن انعكاس رفع العقوبات على قطاع التصدير ، أجاب الجاموس: إنه ورغم أهمية رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن الشعب السوري، إلا أن الاستفادة ترتبط بشكل وثيق بكيفية إدارة اقتصاد الدولة، واستغلال الموارد المتاحة بأفضل طريقة ممكنة، أي إنه وقت إظهار الكفاءة، وإذا كنا على قدر عالٍ من الكفاءة سنكون قادرين على استغلال الموارد المتوفرة، و بناء الاقتصاد.