الحرية- نهلة أبوتك:
على مدى أكثر من عقد، عاش الاقتصاد السوري تحت وطأة العقوبات التي فرضت قيوداً قاسية على حركة التجارة والتحويلات المالية، فتراجعت خطوط الإنتاج، وارتفعت تكاليف الاستيراد إلى مستويات غير مسبوقة، ما انعكس على الأسعار ومعيشة المواطنين.
واليوم، يأتي قرار الإدارة الأميركية برفع العقوبات وتعليق العمل بقانون قيصر ليشكّل منعطفاً اقتصادياً تاريخياً، يعيد الأمل بعودة النشاط التجاري والاستثماري إلى مساره الطبيعي، ويفتح الباب أمام تدفق السلع والتقنيات المدنية الأمريكية إلى السوق السورية دون الحاجة إلى تراخيص مسبقة.
تحرير حركة السلع والتقنيات
يتيح القرار الأمريكي نقل معظم السلع المدنية والبرمجيات والمعدات الصناعية والطبية إلى سوريا، بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة وأنظمة الاتصالات والطيران المدني، وهي قطاعات كانت الأكثر تضرراً من القيود السابقة.
ويرى اقتصاديون أن هذه الخطوة ستعيد التوازن إلى السوق المحلية من خلال توفير احتياجات القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتحفيز الشركات على استعادة قدرتها التشغيلية.
تأثير مباشر على تكاليف الاستيراد والأسعار
يتوقع الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب إسمندر أن يساهم القرار في خفض تكاليف النقل والتأمين والاستيراد بصورة ملموسة، نتيجة عودة التعاملات التجارية إلى مساراتها الرسمية دون وسطاء أو مسارات التفاف مكلفة.
وقال في تصريحٍ لـ”الحرية”: العقوبات السابقة كانت ترفع تكلفة السلعة المستوردة إلى أكثر من ضعف قيمتها الأصلية، بسبب تعدد الوسطاء وارتفاع تكاليف التأمين، أما اليوم فإن رفع العقوبات سيسمح بتوريد السلع والمعدات بشكل مباشر، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتحسن القوة الشرائية.
وأضاف إسمندر إن القرار سيفتح الباب أمام استثمارات أميركية وغربية طال انتظارها، ويسمح بإدخال تقنيات متطورة في مجالات الطاقة، الطب، الاتصالات، الطيران المدني، والمعدات الصناعية، بما يعزز تنافسية الصناعات المحلية ويزيد من إنتاجيتها.
انطلاقة جديدة للنمو والانفتاح
ويعتبر الاقتصادي إسمندر أن القرار الأميركي يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية متكاملة، إذ يعيد الثقة بالقطاع المالي والمصرفي، ويمهّد لانخراط سوريا مجدداً في الاقتصاد العالمي.
ويقول إن المرحلة المقبلة ستشهد فرصاً أوسع أمام القطاع الخاص والمستثمرين العرب والأجانب للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، ما يعيد الحيوية إلى السوق المحلية ويدعم مسار التنمية المستدامة.
نحو اقتصاد أكثر استقراراً وجاذبية
يُجمع محللون على أن رفع العقوبات يمثل بداية مرحلة اقتصادية جديدة تتسم بالمرونة والانفتاح على الشركاء الدوليين، وتوفر بيئة أكثر جذباً للاستثمار، وخصوصاً في القطاعات التكنولوجية والصناعية والخدمية.
ومع تحسن المناخ الاقتصادي وتراجع تكاليف التشغيل والاستيراد، تبدو سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصادها على أسس أكثر كفاءة وتنافسية، تضمن استقرار الأسواق وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
التحديات المقبلة
ورغم الطابع الإيجابي للقرار، يرى مختصون أن نجاح الانفتاح الاقتصادي الجديد يتوقف على قدرة الحكومة السورية على تهيئة بيئة استثمارية عصرية، من خلال تحديث التشريعات المصرفية والجمركية، وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين المحليين والأجانب.
كما يشدد الخبراء على أهمية إعادة بناء الثقة بالمؤسسات المالية والمصرفية، وضمان شفافية التعاملات، إلى جانب وضع سياسات نقدية مستقرة تضمن استقرار سعر الصرف وتمنع المضاربات.
ويُجمع المراقبون على أن إزالة القيود وحدها لا تكفي، بل يجب أن ترافقها خطوات عملية لإصلاح البنية الاقتصادية والإدارية، بما يحوّل هذا القرار التاريخي إلى فرصة حقيقية لإنعاش الاقتصاد وتحسين معيشة السوريين.