انعكاسات إطلاق العملة السورية الجديدة.. بين الضرورة النقدية ونجاح الاقتصاد

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – مها يوسف :

مع اقتراب موعد إطلاق العملة السورية الجديدة تتجه الأنظار إلى واحدة من أكثر الخطوات النقدية حساسية في المرحلة المقبلة، لما تحمله من أبعاد اقتصادية ونفسية واجتماعية متشابكة، وبينما يُعول على هذا الإجراء كمدخل للإصلاح النقدي، تبقى نتائجه مرتبطة بالإطار الأشمل للسياسات الاقتصادية المرافقة له.

الدكتور عدنان خضور – كلية الاقتصاد في جامعة حمص – أكد أن المرسوم الرئاسي الذي حدد الأول من كانون الثاني 2026 موعداً لبدء تداول العملة السورية الجديدة، يشكل محطة مهمة في مسار السياسة النقدية، لكونه يعتمد حذف صفرين من القيمة الأسمية للعملة مع طرح فئات نقدية جديدة أكبرها فئة 500 ليرة سورية، على أن يتولى مصرف سوريا المركزي تحديد آليات ومدة الاستبدال، وأوضح أن هذا الإجراء لا يتضمن أي تغيير في القيمة الحقيقية للعملة، إلا أنه سينعكس بشكل مباشر على حركة السوق النقدية وآليات التداول.

تصحيح العلاقة بين القيمة الأسمية والحقيقية

وأشار الدكتور خضور أن تغيير العملة بات ضرورة ملحة في ظل التراجع الكبير في القوة الشرائية لليرة السورية، حيث باتت كلفة طباعة بعض الأوراق النقدية تفوق قيمتها الفعلية، ما يجعل من استبدال العملة ضرورة اقتصادية، وأضاف أن حذف صفرين من العملة يسهم في إعادة التوازن بين قيمتها الاسمية والحقيقية، ويخفف من الأعباء المالية المرتبطة بعمليات الطباعة والتداول.

مرونة أكبر في التداول النقدي

وبيّن أن العملة الجديدة ستسهم في تسهيل عمليات التداول النقدي وتسوية المدفوعات، من خلال تقليص الكميات النقدية المطلوبة لإنجاز المعاملات اليومية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على كفاءة النشاط الاقتصادي ويحد من التعقيدات المرتبطة بالأرقام الكبيرة المتداولة حالياً.

خبير أقتصادي: تسهم في تسهيل عمليات التداول النقدي وتسوية المدفوعات

الأثر النفسي وثقة المتعاملين

ولفت الدكتور خضور إلى أن حذف صفرين من العملة، رغم عدم تأثيره على القيمة الحقيقية، يحمل أثراً نفسياً إيجابياً على ثقة المتعاملين بالليرة السورية في المدى القريب، حيث إن صغر القيم الاسمية يمنح شعوراً بتحسن القوة الشرائية، غير أن هذا الأثر يبقى محدوداً ومشروطاً بقدرة الدولة على ضبط العجز المالي، والالتزام بقواعد التغطية النقدية الجديدة وتحقيق تحسن فعلي في مستويات الإنتاج الوطني.

الاستقرار النقدي

ويشدد  الدكتور خضور على أن إطلاق العملة الجديدة لن يؤدي إلى آثار تضخمية على المدى المتوسط والبعيد، شرط التزام المركزي بطباعة كميات نقدية مساوية تماماً للكميات المستبدلة، بما يحافظ على حجم السيولة المتداولة ضمن الحدود التي تتطلبها حاجات النشاط الاقتصادي، محذراً من أن أي تجاوز في هذا الإطار قد ينعكس سلباً على الاستقرار النقدي.

سعر الصرف وسيناريوهات المرحلة المقبلة

وحول انعكاسات الإجراء على سعر صرف الليرة السورية أوضح الدكتور خضور أن السيناريو الإيجابي يتمثل في تحقيق استقرار نسبي لسعر الصرف في حال ترافق طرح العملة الجديدة مع إصلاحات حقيقية في السياسة النقدية، تشمل رفع أسعار الفائدة على الليرة، وإصدار أدوات دين عام، كالسندات وأذون الخزينة لضبط السيولة، وتشديد الرقابة على السوق النقدية وحركة الأموال عبر المنافذ الحدودية.

كما أشار إلى احتمال تحسن قصير الأجل في سعر الصرف نتيجة الأثر النفسي الإيجابي، محذراً في المقابل من سيناريو سلبي يتمثل في تراجع قيمة الليرة في حال عدم ضبط الإصدار النقدي أو تمويله عبرعجز الموازنة، ما قد يضعف الثقة بالعملة الوطنية.

شروط استدامة الإصلاح النقدي

أوضح الخبير الاقتصادي أن نجاح أي تعديل في الشكل أو القيمة الاسمية للعملة يتعزز عندما يكون جزءًا من حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة يعالج الأسباب الجوهرية للتضخم، وبيّن أن غياب هذه الإصلاحات المرافقة قد يحدّ من الأثر الإيجابي المرجو على المدى الطويل، ما يستدعي إجراء الإصلاحات التي تؤدي الى تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، ودعم الإنتاج المحلي، وتقليص الاعتماد على المستوردات .

خلاصة المشهد الاقتصادي

وختم الدكتور عدنان خضور بالتأكيد على أن استبدال العملة يُعد إجراءً ضرورياً ضمن مسار الإصلاح النقدي، لكنه لا يحقق أهدافه إلا إذا جاء ضمن حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية والمالية الجادة، بما يجعله نقطة انطلاق لاستعادة الثقة بالليرة السورية وتعزيز الاقتصادي الوطني ، لا مجرد تغيير شكلي في الأرقام .

Leave a Comment
آخر الأخبار