الحرية – حسام قره باش:
يتكرر كل عام مشهد درامي محزن وظاهرة غير مدهشة نراها كل موسم لا تسر الخاطر وتثير الألم والقلق، فهي خسارة مادية واقتصادية للمزارع واستنزاف للاقتصاد الوطني، وهي ظاهرة إتلاف مزارعين لإنتاجهم في بعض مواسم الخضار والفواكه بسبب انهيار أسعارها، كما جرى في أعوام سابقة لموسم الحمضيات أو البندورة أو الكوسا وغيرها وهذا العام أتلف بعض المزارعين ما أنتجته حقولهم من الخيار الذي وصل سعر الكيلو منه أقل من ألف ليرة في الأسواق.
وتعليقاً على هذا الموضوع، أوضح الخبير في الاقتصاد الزراعي ودراسات الجدوى الاقتصادية المهندس حسام قصار لصحيفتنا “الحرية”، أن ذلك يعد هدراً مجحفاً للموارد الطبيعية والإنتاجية من ماء وسماد ومبيدات وخسارة فادحة لقوة العمل المبذول وفي الوقت نفسه هدر للنعمة.
وحول الأسباب التي تدفع المزارع لرمي محصوله أو إتلافه في أرضه، بيَّن قصار أن تدني أسعار السوق وبيع المحصول رخيصاً إلى درجة لا تغطي تكاليف الإنتاج من بذور وأسمدة ومبيدات ومحروقات واستئجار الأرض وارتفاع أجور الفلاحة والحصاد والنقل وأسعار العبوات وغيرها من التكاليف التسويقية، مشيراً إلى لجوء بعض المزارعين في بعض الأحيان بمثل هذه الحالات إلى تضمين المحصول في أراضيهم للرعاة لتحصيل جزء من تكاليف الإنتاج وأحياناً بهامش ربح قليل.
وأضاف: يعد أيضاً فائض الإنتاج وغياب التخطيط الزراعي الفعال وسوء إدارة القطاع الزراعي من أهم أسباب هذه الظاهرة المشؤومة، حيث يتجه أغلب المزارعين لزراعة المحاصيل نفسها التي كانت مربحة في الموسم السابق، ما يؤدي إلى إنتاج ضخم من المحصول نفسه وتخمة السوق به أي عرض كبير يفوق الطلب في الأسواق المحلية.
ووفقاً لقصار، فإن ضعف المعلومات التسويقية التي لم يزود المزارعون بها، تعتبر أحد الأسباب غير المباشرة لهذه الظاهرة، إضافة لعدم وجود عدد كافٍ من معامل التصنيع الزراعي التي تستوعب الفائض من المحاصيل الزراعية وتحويلها لمنتجات مصنَّعة، وقدرة هذه المعامل على شراء المحاصيل بأسعار مجزية للمزارع والتي غالباً ما تكون محدودة.
وكون هذه المشكلة أصبحت تتكرر وتتفاقم كل عام فقد صارت بأمس الحاجة لتدخل حكومي وإيجاد الحلول الإسعافية لها، والتي يبرز القصار أهمها في التخطيط الزراعي الموجه ووضع خطة زراعية وطنية تحدد المحاصيل المطلوب زراعتها وكمياتها بناءً على دراسات دقيقة للطلب المحلي والخارجي، ويكون ذلك بالتعاون والتنسيق بين وزارتي الزراعة والاقتصاد والصناعة والغرف الزراعية.
ويشير قصار أيضاً في هذا السياق إلى أهمية دعم الصناعات الغذائية من خلال الحوافز الضريبية ومنح القروض الزراعية الميسرة وتقديم التسهيلات الإدارية للمستثمرين في مجال التصنيع الغذائي، ودعم إنشاء مصانع صغيرة ومتوسطة في مناطق الإنتاج لتصنيع الفائض وإبرام العقود الزراعية مع المزارعين التي تضمن لهم سعراً عادلاً وبالتالي تضمن للمصانع إمداداً مستقراً أي زراعات تعاقدية.
ولفت بدوره إلى ضرورة تطوير البنية التحتية للعمليات التسويقية لما بعد الحصاد من خلال الاستثمار في إقامة وتحديث مراكز التجميع والفرز والتعبئة وإنشاء وحدات التبريد والتخزين للخضراوات والفواكه، منوهاً أيضاً بوجوب إنشاء نظام معلومات تسويقي متطور يوفر للمزارعين معلومات وافية عن المحاصيل المزروعة وكمياتها وأسعارها والعرض والطلب ووضع خطط للاستيراد والتصدير لتلك المحاصيل والمواسم.
ويبدو أن الإحصائيات حول ما تم إتلافه من المحاصيل نتيجة تدني الأسعار غير موجودة وكذلك تقدير الكميات التي يخسرها قطاعنا الزراعي سنوياً صعب للغاية لعدم وجود جهة توثق الكميات المتلفة وحساب نسبتها المئوية السنوية، كون الأمر متعلقاً بالموسم والأسعار والسياسات الزراعية المتبعة والعرض والطلب والحالة النفسية للمزارع، إذ إن قرار رمي المحصول والتخلص منه قرار شخصي يتخذه المزارع وحده حسب رأي المهندس حسام قصار.