بادية حماة.. تراث تليد وعراقة وأصالة بين الماضي والحاضر 

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- محمد فرحة:

يخطئ من يظن ويعتقد أن البادية هي مجرد مساحاتٍ شاسعة من الكثبان الرملية والنباتات الرعوية والحر صيفاً والقر شتاءً، غير أن سكانها لهم عاداتهم وتقاليدهم تلك المتمثلة بالأصالة والفروسية والكرم وحب الضيف وإكرامه وهذه من شيمهم ..

وفي هذا السياق سنتوقف اليوم عند واقع بادية حماة، كيف هي اليوم وما مقومات العيش لقاطنيها؟ فهي مساحات شاسعة تشمل عدة مناطق كالسعن ومنطقة شرقي سلمية والعقيربات والتي تشمل جبال البلعاس وجبل شاعر وحسبة والفياض، وتمتد لحدود تدمر ودير الزور ومناطق الرقة والفرات، حيث تتشابك مع بعضها لتشكل منطقة قاحلة في سنين الجفاف وخيّرة في المواسم المطرية، حيث الكلأ للأغنام التي تشكل المحور الاقتصادي لعيش القبائل هناك.

وتفتخر القبائل هناك بجذورها الموغلة في القدم حتى لتصل إلى الأصول في الحجاز واليمن وغيرها وهم يتباهون بأصالتهم وفروسيتهم وكرمهم وهذه الحقائق يلمسها كل زائر إلى مضاربهم.

الحياة ليست سهلة

يعيش في بادية حماة عدد كبير من القاطنين الذين يعتمدون في حياتهم على تربية الأغنام ويتنقلون بها ومعها من مكانٍ إلى آخر، حيث تتواجد المراعي لقطعانهم وترحالهم، وهم يسكنون الخيام، إذ عادة ما يتم نصبها في مواقع الكلأ والقريبة من مصادر المياه.

بل أن العديد من أهل البادية اليوم لم تعد حياتهم تقتصر على تربية الأغنام فحسب، بل لقد أصبحت لهم تجمعاتهم السكنية قراهم وبيوتهم العصرية التي تقارب القصور، ويزاولون في تلك القرى الزراعة والإنتاج الموسمي بعدما تم فتح العديد من الآبار هناك.

ومع ذلك غالباً ما يقصد مربو الأغنام والكثير منهم المناطق الجبلية “البلعاس، وشاعر، والفياض”، زد على ذلك أن البعض منهم ما زال يتبع أسلوب التشريق والتغريب لقطعانهم، وبعبارة أوضح للقارئ، فعندما تصاب المناطق الشرقية في أعماق البادية يلجؤون إلى المناطق الغربية كمناطق الاستقرار الثانية غرب حماة بحثاً عن المراعي للقطعان.

العادات والتقاليد الأصيلة 

ما زالت العادات العربية متأصلة تلك التي تقيم على أخلاق الفروسية والكرم وحسن استقبال الضيف وذبح الخراف لهم من باب حسن الحفاوة والنبل ومساعدة البعض بما يسهم في حسن القيم والأخلاق الفاضلة.

تعيش بينهم لساعات يشعروك وكأنك واحد منهم وتعيش قصص التاريخ القبائلي العظيم لدرجة كأنك قرأت كتاباً تاريخياً..

غير أن الجميل في هذا الأمر كما يروون لك إن مشكلاتهم الخاصة والعامة ما زالت تُحل فيما بينهم عن طريق وجهائهم وشيوخ قبائلهم، ما يجعل حياتهم سلسلة في هذا المجال.

اقتصاديات البادية  

قبل عقدين من الزمن كان اقتصاد البادية وعشائرها يقتصر على تربية الأغنام، وقد يشكل عدد القطيع من الأغنام في بادية حماة بيضة القبان، حيث تعدى الثلاثة ملايين ونصف المليون رأس، ومن حماة وحدها كان يتم تصدير أكثر من ١٥٠ ألف رأس من ذكور العواس، ما كان يشكل رافداً اقتصادياً للخزينة العامة وللمربين.

لكن بالنظرة اليوم مقارنة مع الماضي نلاحظ الفرق الكبير للتراجع، ولذلك بدأ القاطنون هناك يعتمدون على الزراعة الحديثة تماشياً مع تكوين قرى وتجمعات سكانية حديثة، وقد دخلت إليها مقومات حديثة من مستوصفات ومراكز إرشادية وجمعيات لتربية الأغنام وبلديات، فاختلف الوضع كثيراً، لكن هذا في الأماكن التي توجد فيها تجمعات سكانية كبيرة كالقرى مثالاً، في الوقت الذي كان جل الإنتاج الاقتصادي يعتمد على الأصواف والأجبان والسمون واللحوم.

نختم لنشير إلى أن ما يميز الضيافة عند سكان البادية من القبائل هو حسن الضيافة ولا يقبلون عذراً منك عن عدم تناول الغداء عندهم، إن كنت ضيفاً أو مررت عليهم، فهم متمسكون بأصالتهم وتقاليدهم النبيلة.

وأمسى سكان البادية اليوم لديهم المدارس في وقت أذكر جيداً كانت بكرفانات متنقلة تلحقهم أينما وجدوا من أجل تعليمهم، حيث أصبح منهم الطبيب والمهندس والمحامي والمعلم والتاجر، ولم يتخلوا قط عن عاداتهم العربية الأصيلة المطبوعة بطابع الشهامة والفروسية، زد على ذلك فقد أقيمت المحميات في البادية كالبلعاس ووادي العزيب والسدات المائية وزراعة مئات الآلاف من النباتات الرعوية من أجل حياة أكثر استقراراً لقاطني البادية اليوم.

Leave a Comment
آخر الأخبار