بانتظار تبلور صورة أكثر وضوحاً.. البادية تستمر بفقدان التوازن في نظم مواردها الطبيعية قرنفلة: وقف تدهور المراعي بتطبيق النهج التشاركي ومفهوم الإدارة الشاملة للموارد

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- رشا عيسى:
بانتظار تبلور صورة أكثر وضوحاً، تعيش البادية السورية تحت وطأة عوامل مختلفة تسبب لها ضغطاً متزايداً يخل بتوازن نظم مواردها الطبيعية وأبرزها المراعي التي تشكل منجم ثروات اقتصادية، يحاصرها خطر التدهور بموجب أسباب عدة على رأسها الرعي الجائر، فضلاً عن المناخ الذي يشكل بعداً جديداً تتفاقم معه صعوبات الحفاظ على المراعي في حالة صحية منتجة، لتبدو صيغة التشاركية للإدارة حلاً مقبولاً بحيث يسهم المزارعون أنفسهم في استعادة الموارد التي يعتمدون عليها وفي إدارتها.
وفي حديث لـ ( الحرية) عدد الخبير في الإنتاج الحيواني المهندس عبد الرحمن قرنفلة مجموعة من العوامل المختلفة التي تتسبب بالضغط على أراضي البادية، وتخل بتوازن نظم إدارة الموارد الطبيعية التي سادت المنطقة خلال قرون طويلة، منها الضغط الناتج عن النمو السكاني وهو أحد العناصر الرئيسية التي تسهم في الإفراط في الرعي بصورة تؤدي إلى التدهور، إضافة إلى الفقر الذي يؤدي إلى سوء إدارة الموارد وفي الوقت نفسه، تغير المناخ يضيف بعداً جديداً تتفاقم به صعوبات الحفاظ على المراعي في حالة صحية منتجة.

أساس تشاركي

وإذا كان للإدارة والاستصلاح أن يصبحا مستدامين على الأجل الطويل كما حدد قرنفلة، فإنه لا بد لهما من أن يسيرا على أساس تشاركي بحيث يسهم المزارعون أنفسهم في استعادة الموارد التي يعتمدون عليها وفي إدارتها، صحيح أن ملكية البادية تعود للدولة، غير أن البدو وغيرهم من أصحاب الماشية يستخدمون الموارد على أساس العرف، مع الاعتراف نوعاً ما بحقوق الرعي لكل مجموعة منهم، وفيما عدا قلة من البلدات الكبيرة، وعدة قرى تقع على حافة البادية، فإن سكان هذه المساحة الجغرافية الشاسعة قليلون للغاية، ولا يتجاوز عدد سكان الحضر من البدو 150 ألف شخص.
وفي الماضي، كانت المجتمعات التي تعيش في البادية، تعتمد على مواردها وتتعايش فيما بينها، وتحافظ على معارفها المحلية التقليدية، ومواردها المتنوعة تماماً (سواء الحياة البرية أو النباتية في منطقتها)، ونظراً لقلة الموارد الرعوية وشح المياه، كان معظم الرعاة يغادرون البادية طوال الفصل الحار كله ليرعوا قطعانهم على بقايا المحاصيل ومخلفات الحصاد في مناطق زراعة الحبوب والمحاصيل الصناعية كالقطن والشوندر السكري، وقد أوجد هذا النمط تكاملاً شديد الفائدة بين مختلف القطاعات الإيكولوجية ونظم الإنتاج.

تقاسم أدوار

قرنفلة عاد في الشرح إلى منتصف التسعينيات كمثل عن تقاسم أدوار إيجابي، حيث شهدت البادية استغلالاً مكثفاً لأغراض المحاصيل البعلية – الشعير أساساً، ودخل أغنياء السكان والتجار في المدن الرئيسية مثل حلب وحماة وحمص في اتفاقات مع المربين والرعاة في البادية حول زراعة المحاصيل على نطاق واسع، وقدم التجار البذور والجرارات الآلية، في حين قام الرعاة بالإشراف على الحراثة، وتكفلوا بحماية مواقع المحاصيل، فإذا كان هناك محاصيل يمكن حصادها تقاسم الطرفان المكاسب، أما إذا كانت السنة جدباء، فإن الرعاة يرعون قطعانهم في المنطقة المزروعة كلها تفادياً لشراء الأعلاف، ما يوفر لهم المال، وجلبت الجرارات وزرعت جميع المنخفضات والمواقع التي توفرت فيها تربة صالحة. وأدى إدخال الجرارات وإشراك التجار الذين لم يكونوا بالضرورة من مالكي القطعان إلى التوسع في زراعة المحاصيل ليشمل مناطق أكثر هشاشة، ومع هذه الطريقة بالتعاون لوحظ ارتفاع أعداد الماشية، كما يبين قرنفلة.

خطط حكومية

ولفت قرنفلة إلى أنه وخلال الجزء الأول من هذه الفترة، خصصت الخطط الزراعية الحكومية 30 في المئة من المراعي للزراعة، على أساس الحفاظ على المساحة المتبقية كأراض رعوية، وسمحت الحكومة بالاستثمار في الزراعة المروية، وهي ممارسة ثبت أنها غير قابلة للاستدامة.
لقد تجاهلت هذه الممارسات “وفقاً لقرنفلة” قدرة هذه المنطقة الهشة، وعطلت الأنماط التقليدية في إدارة الموارد، وهي أنماط تستند إلى التكامل بين مناطق المستوطنات البشرية، والهجرات الموسمية الخارجة من البادية، كما استنفدت هذه الممارسات موارد نباتات الكلأ الطبيعية، وضاعفت الضغط على موارد المياه واستهلت اتجاهاً لتدهور الأراضي بشكل تصاعدي جامح، وفي الوقت نفسه، ارتفعت أعداد الماشية, غير أن ملكية معظم القطعان تغيرت حيث أصبحت التربية المكثفة صناعة حقيقية يمارسها التجار وسكان المدن الكبيرة، وبالتدريج ضاعت المعارف والممارسات الإدارية التقليدية.

الإدارة الشاملة

ولوقف تدهور المراعي يرى قرنفلة ضرورة تطبيق النهج التشاركي ومفهوم الإدارة الشاملة للموارد، ويستند إلى مشاركة مجموعات من المستفيدين محددة جيداً في استغلال مواقع رعوية معروفة وواضحة المعالم، كما تشارك هذه المجموعات في تحديد الاحتياجات الأساسية لدى المجتمعات المحلية, وتطبيق خطط للإدارة تمّ وضعها في المجتمعات المحلية وهو ما عملت على تنفيذه عدد من مشاريع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بالتعاون مع المنظمات الدولية على فترات زمنية متعاقبة. إلا أن تلك الجهود بحاجة إلى متابعة مستمرة حتى تحقق أهدافها.
وأكد قرنفلة أن البادية ليست أرضاً غير منتجة، بل هي خزان اقتصادي استثماري ضخم، وتشكل مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية وشبه الصحراوية الضعيفة لدرجة لا تسمح بزراعتها ولكنها، مع ذلك قادرة على توفير المرعى لعدد من الأغنام والماعز والإبل.
ومناطق الهشاشة الإيكولوجية هذه يمكن أن تتحول بسرعة إلى أراضٍ متدهورة ومتصحرة، إذا تعرضت للرعي الجائر، بل ويمكن في الحالة الأكثر سوءاً أن تتحول في نهاية المطاف إلى أرض عقيم من الناحية البيولوجية.

حالة متراجعة

ويقدر الخبير الزراعي أن البادية، بحالتها المتراجعة لا يمكنها أن تساهم إلا بما نسبته أقل من 12 في المئة من احتياجات الطاقة اللازمة سنوياً لحجم القطيع الكلي، أو ما يعادل فترة رعي تقل عن شهرين من دون علف تكميلي، ويتباين متوسط هطول الأمطار في البادية، وهو منخفض أصلاً، بين 200 مم و 50 مم في السنة ويتميز بتقلبات سنوية وموسمية كبيرة.
وتعتبر الثروة الغنمية من حيث عددها من أكبر مكونات الثروة الحيوانية السورية التي تجوب المراعي الطبيعية في البادية، إذ تشكل أعدادها 89% من إجمالي أعداد الثروة الحيوانية المنتجة للحوم الحمراء، بينما تمثل أعداد الماعز 6% تقريباً والأبقار نحو 5%.

Leave a Comment
آخر الأخبار