ببن “الحمائية” و”العولمة”

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- عمران محفوض:

بعد نحو ثلاثين عاماً على بدء سريان اتفاقية التجارة الحرة العالمية، وما سبقها من حملات الترويج والدعاية لمصطلح “العولمة”، وتبعها من الحديث المستمر عن إيجابيات التجارة الحرة؛ وزيادة الانفتاح التجاري..  تتصدر اليوم مسألة “الحمائية” التجارية الجدل الدائر بين الخبراء الاقتصاديين عبر وسائل الإعلام كواجهة عرض للديمقراطية الأمريكية، بينما في الخفاء تعمل مراكز القرار الاقتصادي في واشنطن على إنضاج النسخة الحديثة من  “الحمائية” التي ستمكّن الولايات المتحدة من توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي على مستوى العالم بأكمله.
صحيح أن هذا الجدل التجاري قديم، خاصة ما يتعلق بثنائية الصادرات والواردات؛ حيث يعود إلى المؤسسين الأوائل لعلوم الاقتصاد، مثل آدم سميث مؤلف كتاب “ثروة الأمم” الذي حسم الأمر بقوله: “جميع الدول ملزمة بالتبادل الحر .. ” عبر طرحه لمبدأ “دعه يعمل دعه يمر..”.
لكنّ اليوم تطور ذلك الجدل، وأصبح سجالاً دائراً بين مؤيدين ل”الحمائية” ومعارضين لهذا التوجه الاقتصادي، يرون أن السياسة “الحمائية” تحدّ من المنافسة، وتشلّ روح الإبداع والتطوير، وتؤدي تباعاً إلى تراجع الصناعة وكسلها على المدى البعيد، ما يضرّ باقتصاد أي بلاد تحكم على نفسها بالانغلاق جراء هذه السياسة التي يصفها خصومها بأنها جبانة ويشبهونها بالنعامة المتعامية عما يدور حولها عندما تدفن رأسها في الرمال، ويذهبون بعيداً بالقول: إن غياب المنافسة جراء “الحمائية” التجارية، يؤدي إلى ضمور حس الابتكار ويعيق محاولات تحسين جودة المنتجات والخدمات للمستهلك المحلي، الذي يعتبر ضحية لهذا التوجه التجاري الظالم، ويضطر عندئذ إلى دفع السعر الأعلى للبضاعة الأسوأ، عوضاً عن استيرادها بسعر أرخص من سعر الخارج، ذلك أن غالبية الناس تهمهم النتائج المحسوسة التي تنعكس إيجابياً على معيشتهم، وليس الخوض في نظريات اقتصادية معقدة، ولا تعني إلا أهل الاختصاص ومتخذي القرارات التجارية.
بدورهم يرى المتحمسون  ل”الحمائية” أنها تعطي وقتاً وتضمن ظرفاً إيجابياً للدول في حال عزمها التوجه إلى صناعة حديثة بمنأى عن أخطار المنافسة الخارجية، بالإضافة إلى فتحها آفاقاً أوسع لهذه الصناعة للنمو؛ وتطوير مزاياها التنافسية، إضافة إلى أن “الحمائية” تتيح المجال لتوفير فرص عمل جديدة  للشباب العاطلين عن العمل – وما أكثرهم في العالم العربي –  وذلك بفضل لجوء الصناعات المحلية النامية إلى توظيف العمال المحليين؛ بدل الاستغناء عنهم مثلما حدث عندما كشرت “العولمة” عن أنيابها في بلدان كثيرة.
وبين هذا الرأي وذاك المخالف له تقف البلدان العربية في صف المتفرجين لعلّ “الرياح تسير بما تشتهي السفن”.. هذا إن كان لديها خيار غير الانتظار أصلاً.
باختصار إن كل ما بنته منظمة التجارة العالمية خلال ثلاثين عاماً سيصبح في ظل “الحمائية” غير ذي جدوى، ومن ثم سيكون لزاماً على جميع الدول أن تعيد حساباتها التجارية، وتضرب بمبادئ “سميث” عرض الحائط لمجاراة هذه التوجهات الأميركية الجديدة، ما سيزيد من تعقيد العلاقات التجارية الدولية، ويفاقم من معاناة المستهلكين عبر تشكّل موجة جديدة من الغلاء قد لاتقتصر على أسعار السلع المستوردة، بل ربما تطول المنتجات المحلية أيضاً.
ورغم هذا الجدل القائم، والخوف العالمي المتزايد من تبعات تطبيق إجراءات “الحمائية” يرى متفائلون أن الفرصة مازالت متاحة للتراجع عن هذه السياسات “الحمائية” لمصلحة الحفاظ على الاستقرار العالمي على المستويين الاقتصادى والأمني، إلا أن اتخاذ القرار المناسب يتطلب قدراً كافياً من الحكمة.

Leave a Comment
آخر الأخبار