لقاء الشرع وترامب.. بداية جديدة في العلاقات الدولية

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرّية – أمين سليم الدريوسي:
في العاشر من تشرين الثاني الجاري، يدخل الرئيس السوري أحمد الشرع البيت الأبيض في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ استقلال سوريا، الحدث، وإن كان محاطاً بملفات سياسية وأمنية ثقيلة، يحمل في جوهره رمزية سياسية عميقة تتجاوز البروتوكول، وتعيد تعريف موقع سوريا في النظام الدولي.

اعتراف دولي متأخر

بعد سنوات من العزلة، الحصار، والعقوبات، تمثل دعوة الشرع إلى واشنطن اعترافاً دولياً بشرعية القيادة الجديدة في دمشق، فالمصافحة الأمريكية ليست مجرد إجراء دبلوماسي، بل هي إعلان ضمني بأن سوريا لم تعد ملفاً أمنياً معزولاً، بل طرفٌ يمكن التفاوض معه، وربما الشراكة معه.
هذا التحول لا يأتي من فراغ. فإدارة ترامب، التي لطالما تبنّت سياسة الضغط الأقصى، بدأت منذ أشهر إعادة تموضع تدريجي في الملف السوري، بدءاً من تصريحات ترامب على متن الطائرة الرئاسية، وصولاً إلى خطوات تشريعية لإلغاء قانون قيصر.

تحوّل في الخطاب السوري

في المقابل، لم تكن دمشق تنتظر فقط الإشارة الأميركية، بل بادرت إلى صياغة خطاب سياسي جديد، أكثر انفتاحاً ومرونة، وزير الخارجية أسعد الشيباني، في منتدى «حوار المنامة»، تحدث بلغة غير مألوفة: «لا نريد أن تكون سوريا مركزاً للاستقطاب، بل على مسافة واحدة من الجميع».
هذا التصريح، وإن بدا دبلوماسياً، يعكس تحولاً في فلسفة الحكم: من منطق المحاور إلى منطق التوازن، ومن خطاب المقاومة إلى خطاب الشراكة، وهو ما يجعل الزيارة ليست فقط حدثاً سياسياً، بل علامة على نضج سياسي جديد في دمشق.

رسائل غير معلنة

الزيارة تحمل أيضاً رسائل غير مباشرة إلى أطراف إقليمية ودولية، فواشنطن، باستقبالها الشرع، توجه إشارة إلى حلفائها في المنطقة بأن سوريا لم تعد خارج الحسابات، وأن إعادة تأهيلها سياسياً قد تكون جزءاً من ترتيبات أمنية أوسع.
كما أن اللقاء الثالث بين ترامب والشرع، بعد لقاءين سابقين في أيار وأيلول، يعكس تطوراً في العلاقة الشخصية بين الرئيسين، ما قد يسرّع من اتخاذ قرارات مشتركة تتجاوز الملفات التقليدية.

الشارع السوري بين الترقب والانقسام

على المستوى الشعبي، تثير الزيارة انقساماً في الرأي العام السوري، فبين من يرى فيها فرصة تاريخية لكسر العزلة، ومن يعتبرها تنازلاً سياسياً، يبقى السؤال الأهم: هل ستنعكس هذه الزيارة على حياة السوريين اليومية؟ وهل ستفتح فعلاً باباً لإعادة الإعمار، ورفع العقوبات، وتحسين الوضع الاقتصادي؟
الجواب لا يزال معلّقاً، لكن المؤشرات الأولية – من تصريحات ترامب إلى تحركات الكونغرس – توحي بأن الزيارة ليست رمزية فقط، بل عملية أيضاً.

إعادة تعريف سوريا

في النهاية، تمثل زيارة الشرع إلى واشنطن إعادة تعريف لسوريا كدولة، فبعد أن كانت تُقدّم في الإعلام الدولي كدولة فاشلة أو ساحة صراع، تعود اليوم لتُطرح كطرف سياسي له رؤية، وله قدرة على التفاوض، وله مكان في المعادلة الدولية.
هذا التحول، إن اكتمل، سيكون أحد أبرز التحولات السياسية في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، وسيعيد رسم ملامح المنطقة، ليس فقط في الجغرافيا، بل في المفاهيم.
إذاً في عالم تتغير فيه التحالفات بسرعة، تمثل هذه الزيارة فرصة نادرة لسوريا كي تعيد بناء صورتها، لا عبر الشعارات، بل عبر الأفعال السياسية المدروسة.

Leave a Comment
آخر الأخبار