الحرية – وليد الزعبي:
بدأ الشبان في سورية يعدلون عن توجههم للهجرة عقب التحول التاريخي الذي حدث في البلاد إثر انتصار الثورة وزوال النظام البائد وتبدد رهابه الأمني، وما تلاه من قرار إلغاء الخدمة الإجبارية، حيث أخذوا يشعرون أن آفاق المستقبل باتت مفتوحة على مصراعيها أمامهم، ولم يعد هناك بعد التحرير ما يهدد عيش حياتهم بشكلها الطبيعي، ولا شك فإن المنعكس الإيجابي لعدولهم عن الهجرة لا يخصهم وحدهم، بل البلاد أيضاً، إذ إن هؤلاء الشبان هم عماد عملية إعادة البناء المقبلة، كما أنهم اللبنة الأساس في بناء الأسرة كأهم نواة في المجتمع السليم، بعد أن كانت تفككت الكثير من الأسر وتراجع تكوين أسر جديدة وتفشت العنوسة نتيجة هجرة الكثيرين غيرهم خلال السنوات الماضية.
صيدلية بدل السفر
بدا أحد الشباب متفائلاً مقبلاً على الحياة والابتسامة لا تفارقه على غير عادته، سألته وهو ابن لأحد معارفنا وقد تخرج مؤخراً من كلية الصيدلة، ما القصة، لم تكن هكذا من قبل؟ فأجاب بكلمات مفعمة بالأمل: لقد ألغيت من رأسي تماماً فكرة السفر والهجرة وقمت بافتتاح صيدلية وبدأت العمل، والمبلغ الذي تجشم أهلي عناء جمعه وكان سيتبدد لقاء نفقات السفر، حولناه ليكون نواة لمشروع إنشاء صيدلية متواضعة كبداية.
الاختصاص هنا لا بألمانيا
ولم تكن ببعيدة عما سبق قصة خريج كلية الطب الذي اجتهد خلال السنتين الأخيرتين بتعلم اللغة الألمانية إلى جانب دراسته الجامعية في العاصمة، حيث عاد عن عزمه على السفر وسيتقدم إلى مفاضلة الاختصاص التي سيعلن عنها قريباً، وتشجيعاً له قام أهله بخطوبة إحدى الفتيات له وسيزوجونه ليشعر بالاستقرار أكثر.
عودة من ليبيا
والمثال الأبلغ، حال الكثير من الشبان المتواجدين في ليبيا منذ فصل الصيف الفائت، وقد تعثرت هجرتهم إلى أوروبا عبر البحر لأسباب متعددة، كتعرضهم للنصب والاحتيال أو الاعتقال من خفر السواحل أو ارتفاع موج البحر، حيث أوضح الكثير من أهاليهم أن أبناءهم أخذوا يعدون العدة للعودة إلى الوطن، معبرين عن فرحتهم بهذه العودة التي تجنبهم رحلة البحر المحفوفة بالمخاطر والمتعارف على تسميتها برحلة الموت، وخاصةً أنه بسببها لطالما زُهقت أرواح الأبرياء غرقاً في البحر، وذكروا أن بقاء أبنائهم بجوارهم يكسبهم السند والمعيل في حياتهم، وعبروا عن أملهم بالالتفات إلى فئة الشباب المفعمة بالحيوية والنشاط والأخذ بيدها، وخاصةً ضمن ظروفنا المعيشية الصعبة، وذلك عبر دعم الأعمال أو المشروعات الصغيرة المؤهلين للقيام بها في شتى المجالات.
متفائلون بدور فاعل
من جانبه، أشار الدكتور شوقي الراشد رئيس فرع جامعة دمشق في درعا في تصريح لصحيفة الحرية، إلى أن الجميع من دون استثناء كباراً صغاراً متفائلون، وخاصةً فئة الشباب التي بدأت تشعر بأنه سيكون لها دور فاعل ومستقبل زاهر في سوريا الجديدة التي تسودها العدالة والرخاء، وأمل من القيادة السورية العمل على زرع الأمل قبل القمح، وإعطاء الأمل لشباب الوطن وتحفيزهم على البقاء والمساهمة في بناء وطنهم بدلاً من الهجرة، الذي يُعد خطوة أساسية لضمان تطور المجتمع واستدامة التنمية.
العمود الفقري
وأضاف: الشباب، وخاصة المتعلمين منهم، هم العمود الفقري لأي وطن، ودورهم في البناء والتنمية لا غنى عنه، فهم القوة العاملة الرئيسية والمورد البشري الذي تعتمد عليه الدول لتحقيق التقدم، والمتعلمون منهم يمتلكون المهارات والخبرات التي تُمكّنهم من قيادة عمليات التطوير والإصلاح في مختلف القطاعات، وبطبيعتهم أكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة والتكنولوجيا الحديثة التي تمكنهم من تقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المجتمع، ما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
قوة إنتاجية
وبيّن الدكتور الراشد أن الشباب المتعلمين يُشكّلون أيضاً قوة إنتاجية كبيرة، فانخراطهم في سوق العمل، يُسهم في تقليل البطالة وزيادة الإنتاج ورفع مستوى الاقتصاد الوطني، وهم صُنّاع التغيير الاجتماعي في بناء مجتمع متماسك قائم على قيم التفاهم والمساواة والعدالة.
وأكد أن من أهم الأولويات ضرورة إعطاء الأمل للشباب وتحفيزهم على البقاء وتعزيز هذا الشعور من خلال توفير فرص العمل وإيجاد بيئة عمل محفزة و مستقرة، تُمكّن الشباب من تحقيق طموحاتهم المهنية داخل الوطن، ودعمهم في إنشاء مشاريعهم الخاصة من خلال تقديم القروض والتوجيه، وكذلك تقديم تعليم متطور وتدريب عملي يُؤهل الشباب لسوق العمل، ويجعلهم أكثر كفاءة.
تعزيز الشعور بالانتماء
وذكر رئيس فرع الجامعة أن إشراك الشباب في صنع السياسات الوطنية يُعزز شعورهم بالانتماء والمسؤولية تجاه الوطن، ودعم الابتكار والبحث العلمي الذي يُحفز الشباب على تطوير تقنيات وحلول جديدة تُسهم في تنمية الوطن، وختم بالقول: الآمال كبيرة والطموح يعانق السماء. بارك الله بهمة الشباب ووفقنا جميعاً إلى كل خير.