الحرية- رنا بغدان:
يشمخ الجامع الأموي بمآذنه وقبابه وأبوابه وسط
دمشق القديمة ليحتل مكانة دينية وتاريخية وأثرية على مدى الأزمان وتوالي الحضارات. وللجامع أربعة أبواب رئيسة تصله بالمدينة وأحيائها موزعة على جهاته الأربع ثلاثة منها تُفتح على صحن المسجد والرابع يُفتح على الحرم وهي: الباب الغربي “باب البريد”, الباب الشرقي “باب جيرون أو باب النوفرة”, الباب الشمالي “باب الكلاسة”, الباب الجنوبي “باب الزيادة أو باب الصاغة”, كما يوجد باب خامس تم إغلاقه بالحجارة الضخمة في الجهة الجنوبية وهو “بــاب الخــضــراء”.
ومؤخراً تمّ فتح باب “جيرون” على مصراعيه بعد إغلاقه لأكثر من 20 عاماً, وقد حجز هذا الباب الجميل حيزاً كبيراً في كتابات المؤرخين والرّحالة ودواوين الشعراء منذ القدم فقد قال “عدي بن زيد” فيه:
رُبَّ دار بأسفل الجِزع من دومةٍ أشهى إليَّ من بابِ جيرونِ
كما وضع “معبد” في القرن الأول للهجرة لحناً قال فيه:
القصرُ فالنخلُ فالجسّاءُ بينهما
أشهى إليَّ من أبوابِ جيرونِ
وحين احتراقه قال “عرقلة” في القرن السادس:
جارَ صرفُ الردى على جيرونَ
و سقى أهلها كؤوسَ المنونِ
أصبحت جنة و أمست جحيماً
تتلظى بكل قلبٍ حزينِ
كيف لا تُذرف الدموعُ عليها
وهي في الشامِ نزهة للعيون
حبذا حصنها الحصين فقد كان جمالاً لكل حصن حصين
كما وصفه الرحالة والمؤرخون في مؤلفاتهم, فكان “المسعودي” أوّل من ذكره في كتابه “مروج الذهب” الذي كتبه عام ٣٣٢ للهجرة حين قال:
“وهذا الموضع بدمشق سوقٌ من أسواقها عند باب المسجد الجامع يعرف بجيرون وجيرون هو بنيان عظيم كان قصر هذا الملك عليه أبواب من نحاس عجيبة بعضها على ما كانت عليه والبعض من مسجد الجامع”.
كما ذكره الشريف الإدريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”, وذكره ابن بطوطة في رحلته, وكذلك ابن عساكر في “تاريخه”, ووصفه ابن جبير في “البداية والنهاية” بقوله:
“باب جيرون المشهور بدمشق الذي كان هلاكه وذهابه وكسره.. وهو باب شرقي جامع دمشق، لم يرَ باب أوسع ولا أعلى منه فيما يعرف من الأبنية في الدنيا، وله غلقان من نحاس أصفر بمسامير من نحاس أصفر أيضاً بارزة، من عجائب الدنيا ومحاسن دمشق ومعالمها..”.
ويعدّ “باب جيرون” من أضخم أبواب المسجد وأوسع أبواب دمشق وأكثرها ارتفاعاً ويقع بين حي النوفرة والقيمرية، ويتناظر مع بقايا القوس الرومانية في محلة باب البريد حيث يؤلفان حدود معبد جوبيتر من الغرب والشرق. ويتكون الباب من بوابة ضخمة يتوسطها بابان صغيران مصفحان بالنحاس والمسامير، ولها درج قديم يوصل إليها، وقد صنعت من خشب الصنوبر القاسي المكسو بالنحاس المطعم بمسامير بارزة وبنقوش غاية في الجمال، وقد تعرضت لحريق عام 1250، وجُدِّدَت في العصر المملوكي وصُفِّحت بالنحاس. وينقسم كل من البابين الصغيرين في البوابة إلى ستة مربعات في زوايا كل مربع زهرة لها ثماني بتلات, وفي وسط البابين اليميني واليساري نقشين من النحاس أما البوابة الكبيرة فهي من الخشب الحديث نسبياً يعلوها عقد محدب من الحجر الأبيض خالٍ من النقوش والزخارف تعلوها قمرية مزينة بالزجاج المعشق.
أما معنى كلمة جيرون فقد اختلف عليها الكثيرون.. وله تسميات عديدة منها: باب القيمرية وباب النوفرة وباب اللبادين, وباب الساعات لأنه في عام 1200 انتقلت الساعات الموجودة عند باب الزيادة إليه..